شهر رمضان: الوقت الأمثل للأعمال الخيرية على المستوى الشخصي والمؤسسي

في هذا السياق، ثمة نوعان رئيسيان من الأعمال الخيرية المؤسسية، يمتاز كل منهما بخصائص مختلفة عن الآخر:

النوع الأول هو العطاء الخيري المباشر، ويكون ذلك عندما تقرر الشركة أن ترد الجميل للمجتمع من خلال التبرع بجزء من أرباحها للقضايا الخيرية التي قد تكون غير ذات صلة بأعمال الشركة. فسواء كانت المؤسسة بنك كبير يقدم التمويلات اللازمة لإنشاء دار للأيتام أو شركة صغيرة تتبرع لضحايا إحدى الكوارث الطبيعية، فإن أهم ما يميز هذا النوع من الأعمال الخيرية هو فعل العطاء نفسه.

أما النوع الثاني فهو الأعمال الخيرية الاستراتيجية. يتمثل هذا النوع في قيام شركة ما بتخصيص نسبة، حتى وإن كانت ضئيلة، من مواردها المالية والبشرية لأغراض الأعمال الاجتماعية أو البيئية أو أي أغراض خيرية أخرى تتماشى مع طبيعة عمل هذه الشركة. ولا يجب أن يؤخذ هذا الكلام حرفياً في جميع الأحيان – أي أن تتبرع شركة المستحضرات الدوائية بالأدوية على سبيل المثل- ولكنه يعني تحديد القضايا التي تتماشى مع رؤية وقيم الشركة. وعلى النقيض من العطاء الخيري المباشر، فإن أهم ما يميز هذا لنوع من الأعمال الخيرية هو السبب وراء العطاء وليس قيمته المادية فحسب.

يمكن تطبيق الأعمال الخيرية الاستراتيجية بعدة طرق؛ فقد يكون ذلك من خلال مشروع خيري أو تقديم منتج أو خدمة جديدة أو نشاط تجاري كامل يتم تخصيصه لأغراض خيرية. وقد أشار مقال نشر مؤخرا في مجلة فوربس إلى وجود عدد من الأمثلة المتنوعة القائمة حالياً في الولايات المتحدة من بينها شركة لأغذية الحيوانات الأليفة والتي تقدم وجبات مجانية لملاجئ الحيوانات، وشركة تقنية المعلومات التي تخصص مبرمجين لتطوير مواقع أفضل للمؤسسات غير الربحية، وشركة إنشاءات تشكل فريق من المتطوعين الأكفاء لبناء أو تجديد المنشآت في المجتمع الذي تعمل به. في كل من هذه الأمثلة، قامت الشركة باختيار قضية مرتبطة بقدراتها وتخصصها وقيمها ومن ثم أطلقت مبادرة خيرية تساعد أصحاب المصلحة على فهم ما تعُده الشركة على درجة من الأهمية.

قد يمثل كلا النوعين من الأعمال الخيرية قيمة بالنسبة للأعمال، حيث إن العطاء الخيري المباشر يمكِّن الشركة من دعم قضايا هامة ورد الجميل للمجتمع وتعزيز سمعتها من خلال استثمار أقل قدر ممكن من الوقت والموارد البشرية. ومع ذلك، فمن خلال تحديد القضايا التي تتماشى مع رؤية وقيم الشركة، تؤدي الأعمال الخيرية الاستراتيجية إلى ترسيخ هوية الشركة في أذهان الموظفين وأصحاب المصلحة الخارجيين، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه من خلال العطاء الخيري وحده. من هذا المنطلق تقوم العديد من المؤسسات بتطبيق النوعين معاً.

من الأهمية بمكان أيضاً بالنسبة للشركات التي تقوم بالأعمال الخيرية الاستراتيجية أن تشرك أصحاب المصلحة في هذا النشاط، ما يعني ضمان معرفة الموظفين والعملاء والحكومة أيضاً بالمبادرات الخيرية الت تقوم بها الشركة، وأينما أمكن، إشراكهم في هذه العملية. وسوف ينتج عن ذلك الشعور بالفخر ورفع الروح المعنوية وإضفاء شعور فريد بوجود هدف مشترك بين الشركة وأهم أصحاب المصلحة، الأمر الذي سيضاعف الأثر الإيجابي الذي تحدثه تلك المبادرات الخيرية.

وعلى الرغم من أن ثقافتنا تنهانا عن التفاخر بمساعينا وأعمالنا الخيرية، إلا أنه يتعين على الشركات التي تقوم بالأعمال الخيرية الاستراتيجية أن تلتزم بالشفافية عند تنفيذ هذه الأنشطة من أجل توضيح ما تقوم به من أعمال وأسبابها وكيف يمكن إشراك الآخرين بها. ووفقا للتعاليم التي نستقيها من شهر رمضان، ثمة شعور رائع في ممارسة الأعمال الخيرية والكريمة مع الآخرين، بدلاً من ممارستها بصورة منفردة، والذي ينتج عنه الإحساس الجماعي بعمل الخير والذي يرتبط بهذا الشهر من كل عام.

إن العبارة التقليدية التي نتبادلها خلال شهر رمضان هي "رمضان كريم"، وليست هذه العبارة مجرد تهنئة بحلول الشهر المبارك فحسب، بل هي دعوة للعمل تغطي كافة جوانب حياتنا بما في ذلك مصالح أعمالنا. ومن هذا المنطلق، أدعو شركات المنطقة إلى استغلال هذا الوقت من كل عام لتحديث برامج الأعمال الخيرية القائمة لديها وبحث كيفية زيادة قيمتها خلال العام المقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7  +  1  =