اعرف متطلباتك قبل تأسيس مجلس الإدارة

يُعدّ مجلس الإدارة أعلى هيئة تتخذ القرارات في معظم الشركات والمؤسسات. وفي ظل المسؤوليات القانونية والمالية والاستراتيجية الواسعة التي يتولاها، فإنه من السهل أن ينسى المرء أن مجلس الإدارة هو مجرد مجموعة من الأشخاص. ومثل أية مجموعة، فإن تغيُّر حجم مجلس الإدارة أو تركيبته أو سلطته يمكن أن يُؤثر كثيراً في أدائه.

وهذا هو السبب في أنه عند تشكيل مجلس الإدارة واختيار مديرٍ جديد، أو حتى مجرد إجراء تقييم لإطار الإدارة، فإنه ينبغي على الشركات والمساهمين أن يضعوا الأمور التالية في بالهم:

التفويض

أولاً وقبل كل شيء، عليك أن تكون واضحاً حول ما تتوقع أن يقوم به مجلس الإدارة. فمن دون ذلك، فإنه من شبه المستحيل تحديد مجموعة المديرين الذين ستحتاجهم شركتك، أو الصلاحيات التي ينبغي أن تُعهد إليهم. وبالمثل، فإنه من دون التفويض الواضح لن يكون أعضاء المجلس المحتملين في موقعٍ يسمح لهم تقييم أدوارهم ومسؤولياتهم تقييماً سليماً.

والغاية الرئيسية من وجود معظم مجالس الإدارة هي النظر في استراتيجية الشركة وأدائها، والتحديد المسبق للمخاطر المحتملة أمام أعمالها. ويربط أعضاء آخرون الشركة مع شركاء وزبائن ومستثمرين محتملين من خلال شبكات علاقاتهم الشخصية والمهنية. وفي بعض الحالات، خصوصاً في المنظمات غير الربحية، قد يكون من المتوقع أن يؤدي أعضاء مجلس الإدارة واجباتٍ تكون عادةً ضمن مسؤوليات المديرين، مثل تمثيل الشركة في بعض الفعاليات. وفي الواقع، يُتوقع أن يؤدي أعضاء مجلس الإدارة بعض المهمات التي ذكرناها أو كلها في أوقاتٍ مختلفة.

ورغم أن غالبية الشركات في منطقة الخليج عبارة عن شركات تملكها العائلات أو تديرها، فإنه تجدر الإشارة إلى أن التفويض في مجالس إدارة الشركات العائلية لا يختلف اختلافاً كبيراً عما هو عليه في الشركات العامة. فقد وجدت دراسة عالمية نشرتها شركة PwC أنه من بين الرؤساء التنفيذيين والرؤساء الماليين في 147 شركة عائلية أو تديرها العائلات، أكدت غالبية أفراد العينة أن المسؤوليات الرئيسية لمجلس الإدارة فيها هي مراقبة أداء الشركة (85%)، ورسم استراتيجية الشركة (74%).

إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود اختلاف. فالحرص على تدوين مسؤوليات المديرين في الشركات المملوكة عائلياً يمكن أن يكون ذا أهمية خاصة نظراً لاحتمال عدم وضوح الحد بين العلاقات الشخصية والمهنية. ووفقاً للدراسة نفسها "يمكن أن تواجه مجالس إدارة الشركات العائلية تحدياتٍ أكبر من الشركات الأخرى لضمان وجود آلية عمل فعّالة" نظراً لاحتمال أن "تتداخل المسائل العائلية مع قضايا الشركة".

وربما يتأثر تفويض مجالس الإدارة بمرحلة التطوير الفعلية أكثر من بنية الملكية. إذ يختلف المطلوب من مجلس الإدارة في مرحلة التأسيس اختلافاً كبيراً عن المتوقع منه في الأوقات اللاحقة. ولهذا السبب فإن محدودية الولاية (أي ما يحدد عدد السنوات والدورات التي يمكن أن يقضيها العضو الواحد)، وتناوب المديرين، والمراجعة الدورية لأداء مجلس الإدارة يمكن أن يساعد في ضمان أن تفويض مجلس الإدارة والعضوية فيه تتحرك بنفس معدل حاجاتك وتطلعاتك مع مرور الوقت.

الحجم

يمكن أن يكون الحماس في تعيين أعضاء مجلس الإدارة أمراً مغرياً. ففي نهاية المطاف، إذا كان الرأيان أفضل من الرأي الواحد، يُغفر لك التفكير في أنك كلما حصلت على المزيد من الأشخاص الأذكياء على طاولة مجلس الإدارة زاد احتمال أن يتوصلوا إلى الاستنتاجات الصحيحة.

لكن لسوء الحظ الأمر ليس بهذه البساطة. حيث جرت دراسات كثيرة من أجل التوصل إلى الحجم الأمثل للمجموعات التي تهدف لاتخاذ القرار، ولم يكن العدد الأكبر يعني الأفضل دائماً. ووفقاً لدراسة نشرتها شركة GMI Ratings عام 2014 في وول ستريت جورنال فإن "الشركات ذات العدد الأقل من أعضاء مجلس الإدارة تجني ثماراً أكبر بكثير لصالح المستثمرين فيها" إذ أن مجالس الإدارة الصغيرة "تُجري نقاشاً أعمق وتتخذ قرارات أكثر فطنة". لكن من الجدير بالذكر أن المنظمات غير الربحية قد تختار مجالس إدارة أكبر حجماً لأسبابٍ مختلفة، بما في ذلك ضمان أنه لدى جميع المجموعات المعنية صوتٌ في المداولات، وتوفير شبكة أكبر لجمع التبرعات لصالح المنظمة.

وفي نهاية المطاف، ينبغي أن يكون هدفك تعيين العدد اللازم من أعضاء مجلس الإدارة لأداء المهمة المحددة للمجلس، لا أكثر ولا أقل. مع الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك العدد السحري يمكن في الحقيقة أن يتغير بمرور الوقت.

التركيبة

ربما يكون جمع الخليط المناسب من الأشخاص هو العامل الأهم في نجاح أي مجلس إدارة، وعندما يصبح لدى المجلس غاية واضحة وتكون لديك فكرة أفضل حول حجمه الأمثل، يصير في وسعك التفكير بجدية أكبر بشأن مزيج المهارات والخبرات والجنس والأعمار وأنماط الشخصية التي تريدها.

فبالنسبة لبعض المديرين، تكون أكبر ميزاتهم هي المعرفة العميقة في مجال صناعة الشركة أو نموذج أعمالها. وربما يكون هناك مديرون آخرون يقدّمون خبرة قانونية أو مالية أو تجارية مهمة، أو لديهم إمكانية الوصول إلى جهاتٍ أو شبكات أعمالٍ قيّمة. وبغض النظر عما يساهمون به داخل مجلس الإدارة، فإن المديرين لديك سيكونون من بين أكثر سفراء شركتك تأثيراً في العالم الخارجي، لذلك لا بد أن تختارهم بحكمة.

وهناك مجموعتان غالباً ما تكونان ممثلتان تمثيلاً ناقصاً على مستوى مجلس الإدارة، وهما النساء والشباب. ففي عام 2014 كانت النساء يشكّلن 19% فقط من أعضاء مجالس الإدارة في الشركات المدرجة على قائمة Fortune 500. ووفقاً لدراسة أجرتها مبادرة بيرل، شغلت النساء مؤخراً 1.2% من مقاعد مجال الإدارة في الشركات المدرجة في الإمارات العربية المتحدة. ولحسن الحظ فإن ذلك في طريقه إلى التغيّر مع موافقة حكومة الإمارات عام 2014 على قرار يفرض تمثيل المرأة في مجالس الإدارة في جميع الشركات والوكالات الحكومية.

وأنا أوصي بشدة أن يكون في جميع الشركات عضوٌ واحد على الأقل من شبابنا الذين يشكّلون أكثر من 30% من عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط في مجالس إدارتها. فرغم أنه قد تكون لديهم خبرة أقل من المديرين الآخرين (ولكن ليس دائماً)، إلا أنه غالباً ما سيكون لديهم فهمٌ أفضل للتقنيات والاتجاهات الناشئة المتعلقة بجميع الأعمال في يومنا هذا. كما أنهم أيضاً ينتمون للجيل الذي قد يكون الأكثر تأثراً بالقرارات المتخذة، وبالتالي لديهم مصلحة لا يمكن إنكارها في نتائج مداولات المجلس. ففي شركة الهلال للمشاريع على سبيل المثال، قمت مؤخراً بإحداث مفهوم مجموعة المستشارين الشباب، وذلك بغية ضمان أن أنشطتنا وخطط عملنا متصلة بالحاجات الحالية والمستقبلية للسكان من الشباب القوي والمؤثر.

التدابير الوقائية

حتى مجالس الإدارة الأكثر التزاماً وتقيّداً التي اختيرت بعناية تحتاج إلى تدابير وقائية. فليس من مصلحة أحد أن يكون هناك غموض في الأمور المتوقعة من أعضاء مجلس الإدارة، والقواعد التي تنطبق عليهم، والآليات التي سوف تحكم أداءهم.

وكما هو الحال غالباً في أمور الإدارة، فإن الشفافية أمرٌ في غاية الأهمية وينبغي تزويد جميع المرشحين لمجلس الإدارة بإرشادات عمل مجلس إدارة الشركة قبل ان يقبلوا التعيين حنى يكون الجميع على وفاق. ومن الضروري أن يفهم أعضاء مجلس الإدارة المرتقبين مسبقاً مدة العضوية المطبّقة، وسياسة التناوب في الشركة. وفور موافقة العضو الجديد على الانضمام، ينبغي عليه تخصيص يومٍ كامل أو يومين من أجل القيام بعملية تعريفية شاملة لمجلس الإدارة والشركة. كما أن وضع آلية من أجل قيام مجلس الإدارة بمراجعة ذاتية كل عام تحقق قدراً أكبر من المساءلة التي غالباً ما تؤدي إلى تحسّن الأداء.

إن مجلس الإدارة هو جانب في غاية الأهمية في أي شركة أو منظمة. وغرضه الأساسي هو حماية القيمة وزيادتها عن طريق الإدارة الجماعية لشؤون الشركة، مع تلبية المصالح المناسبة للمساهمين وأصحاب المصلحة فيها. وبالإضافة إلى مسائل الأعمال والمسائل المالية، يجب على مجلس الإدارة أن يتصدى للتحديات والقضايا المتعلقة بإدارة الشركة، والمسؤولية الاجتماعية، والأخلاقيات. لكن عدم التمعّن في بعض الجوانب الأساسية في تشكيل المجلس بحد ذاته وأدائه يمكن أن يؤدي بسهولة إلى إحباط شامل. ففي نهاية المطاف، سوف تتأثر قيمة أي مجلس إدارة على المدى الطويل بالأهداف الموضوعة له، ومزيج الأشخاص الذين تم تعيينهم فيها، ونوعية المشاركة التي يقوم بها أعضاؤه.

نشر هذا المقال في الاقتصادي في 30 يونيو 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  +  19  =  22