Flags Badr Jafar Blog

الاتفاق العالمي للأمم المتحدة

شهدت منطقة الخليج تحولاً ملحوظاً في التوجه نحو تنفيذ الحوكمة المؤسسية والأخلاقيات المهنية، الأمر الذي يرجع بشكل جزئي إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت عام 2008. فنتيجة للكساد الاقتصادي والصدى الذي أحدثه في كافة أرجاء المنطقة، بدأت مجالس الإدارة في تحليل وتقييم كيفية حماية شركاتهم. ومن ثم، ظهرت دعوات متزايدة لتطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة بصورة أكبر من أجل تسهيل خلق بيئة عمل مستدامة وقادرة على المنافسة. وقد كان ذلك هو الدافع وراء التعاون بين مبادرة بيرل والاتفاق العالمي للأمم المتحدة والذي يهدف إلى المساعدة في تطبيق أفضل الممارسات كوسيلة لحماية نجاح اقتصاد المنطقة.

ومن منطلق الحاجة الملحة إلى تنمية وتطوير ودعم الحوكمة المؤسسية في المنطقة، تلقت مبادرة بيرل مؤخراً دعوة لحضور مؤتمر قمة قادة الاتفاق العالمي للأمم المتحدة المنعقد في نيويورك. وخلال هذه الزيارة، تمكنت مبادرة بيرل من عقد شراكة مع الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، وهي أكبر مبادرة عالمية للاستدامة المؤسسية والتي تضم أكثر من 8000 مشاركاً من قطاع الأعمال من 145 دولة. تهدف هذه الشراكة إلى تسهيل تقديم برامج معدة محلياً من أجل مساعدة الشركات في منطقة الخليج على اجتياز المخاطر المعقدة والمتزايدة من خلال الممارسات المسؤولة والمرتبطة بالمنطقة.

وتعد نظم ونماذج الحوكمة من العوامل الأساسية اللازمة لتحقيق أكبر استفادة من النمو المحلي للمنطقة. وثمة مجموعة من العوامل التي يجب أن تستند إليها الشركات لكي تتمتع بصورة أفضل لدى المستثمرين والمقرضين والعملاء فضلاً عن تحقيق المزيد من الأرباح، وهي تحديد حقوق حملة الأسهم بشكل جيد، وخلق بيئة رقابية محكمة، وتطبيق مستويات أعلى من الشفافية، وتشكيل مجلس إدارة بصلاحيات ملائمة.

أشارت الأبحاث التي أجرتها مجلة الإدارة والحوكمة العام الماضيإلى أن أداء الشركات التي تطبق سياسات حوكمة مؤسسية قوية أو آخذة في التحسن يفوق أداء الشركات التي تطبق سياسات حوكمة ضعيفة أو آخذة في الانحسار بنسبة 19%. كما أشارت الأبحاث الأخيرة التي أجريت من قبل الاتفاق العالمي للأمم المتحدة و"أكسنتشور" إلى أن 93% من المؤسسات المشاركة في الدراسة على قناعة بأن مواجهة القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمية تعد من أهم عوامل نجاح أعمالها في المستقبل. بيد أن نفس الدراسة أشارت إلى أن الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أن المناخ الاقتصادي وأولويات المنافسة تشكل عوائق في طريق ترسيخ ثقافة الحوكمة في أعمال شركاتهم. ويأتي هنا دور مؤسسات مثل مبادرة بيرل حيث يمكنها أن تلعب دورا فعالا ومؤثرا في هذا الشأن،وسوف تؤدي هذه الشراكة الجديدة مع الاتفاق العالمي للأمم المتحدة إلى وضع عدد من البرامج المشتركة، المصممة خصيصاً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تعتمد على تحسين الحوكمة والتنوع والشفافية وإعداد التقارير ومكافحة الفساد، بينما تعمل على دعم وتعزيز تبني مبادئ الاتفاق العالمي المعترف بها عالمياً. على سبيل المثال، ينص المبدأ العاشر من مبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة على ما يلي: "يجب أن تعمل الشركات في جميع الأوقات لمكافحة الفساد بكافة أشكاله بما في ذلك الرشوة والابتزاز"، وهو ما يعكس رؤية ورسالة مبادرة بيرل.

على صعيد آخر، تشتمل الجهود المشتركة بين مبادرة بيرل والاتفاق العالمي للأمم المتحدة على إطلاق مبادرة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في وقت لاحق هذا العام تحت اسم "دور المرأة في الإدارة" والتي سوف تستند إلى إطار مبادئ الأمم المتحدة لتمكين المرأة. سوف يجمع البرنامج بين الأبحاث والنصائح العملية ودراسات الحالة من أجل فهم وجهات نظر النساء العاملات في الإدارة العليا وإمكانية إسداء المشورة لغيرهن من النساء اللاتي يرغبن في الارتقاء في الدرجات الوظيفية مثل نظائرهن من الرجال. وعلى الرغم منالزيادة الملحوظة خلال القعد الماضي في عدد النساء اللاتي تتولين مناصب على درجات وزارية وتلعبن أدوار أخرى في الحياة العامة فضلا عن زيادة تأثيرهن على مجتمعاتهن، إلا أن تمثيل النساء في مكان العمل بصفة عامة لازال ناقصاً. وقد أشار مؤتمر غرف التجارة العالمي إلى أن النساء يشكلن 47% من سكان دول الخليج إلا أنهن لا يشاركن في العمل إلا بنسبة 19.2%. ومن أجل التعرف على أسباب هذه الإحصائيات المتباينة، يجب علينا تعميق فهمنا للقضايا الضمنية ومن ثم وضع مناهج مناسبة لزيادة عدد النساء المشاركات في المناصب القيادية، الأمر الذي سيعود بالنفع على اقتصاد المنطقة ككل.

ينبغي على مجتمع الأعمال في منطقة الخليج مواصلة العمل على زيادة الخبرة على الصعيدين المحلي والدولي من أجل الجمع بين أفضل الممارسات العالمية والمبادئ الأساسية الملائمة للمجتمع المحلي وذلك من أجل تحقيق أقصى فائدة لاقتصاد المنطقة. تشتمل معظم قرارات الأعمال وإجراءاته على تحديات محلية وخاصة بأصحاب مصلحة محليين. وعلى الرغم من أنه لا يوجد إطار واحد يلائم كافة الأقاليم والأغراض، إلا أن تبني مبادئ الاتفاق العالمي يعد أساسياً من أجل تنفيذ حوكمة مؤسسية جيدة وسوف تمثل مبادرة بيرل دليلاً يمكن للشركات الرجوع إليه عند اتخاذها قرار بناء أطر الحوكمة المؤسسية الخاصة بها. فمن خلال تعزيز الخبرات الإقليمية الإيجابية، سوف يتم تحفيز المزيد من الشركات على بدء أولى خطواتها على طريق تطبيق معايير أعلى.

والجدير بالذكر أن مبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة كان لها بالغ الأثر في قيام آلاف الشركات حول العالم بترسيخ مبدأ الاستدامة في ثقافتها. وقد حان الآن وقت العمل بالمثل في منطقة الخليج والشرق الأوسط ككل.

كما هو منشور على موقع الاقتصادي بتاريخ 20/10/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  +  8  =  17