تسخير قوة رأس المال الجريء للشركات

 

لدى الشركات الكبرى والشركات الناشئة الكثير لتقدمه بشكل متبادل، بما في ذلك الدعم طويل الأجل وفرصة التغيير. وتنخرط العديد من الشركات أكثر فأكثر في نشاط رأس المال الجريء الخاص بها كآليةٍ للبقاء.

إنّ التغيير سريع الوتيرة هو الواقع الذي لا جدال فيه في عصرنا هذا. واقعٌ يدفعنا بسرعته الهائلة لنكون في الطليعة ويملي على الشركات وعلى الدول أيضاً ما يصيغون في جدول أعمالهم، ولا عجب في ذلك إذ أضحى منال الجميع في هذا الزمن مواكبة التغيير والبقاء في الطليعة.

لقد جذبت رياح التغيير التي تجتاح دولاً مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية انتباه العالم، حيث أطلقت الحكومات خططاً وطنية تحويلية لاحتضان الرقمنة، مما يُظهر الإمكانات الهائلة لهذين البلدين ليكونا مركزين قائمين على التكنولوجيا للسير بعجلة النمو. ومع ذلك، لم تكن الشركات الكبرى في المنطقة سريعة بما فيه الكفاية في تسخير قوة التكنولوجيا وتنفيذ استراتيجيات التحول الرقمي الفعّالة، على الرغم من أنّ المستهلكين في هذه المنطقة هم من بين أكثر الملمّين بالتكنولوجيا على مستوى العالم.

تحتاج الشركات القائمة في المنطقة اليوم إلى رؤية طويلة الأمد لتبقى مواكبة للتطور ولإضفاء بصمة خاصة بها، ولكن، هل تدرك الشركات الإقليمية الكبرى التي تمتلك عقوداً من الخبرة أنها تتمير بمقومات تمكنها من توجيه أهداف الشركات الناشئة الحديثة والنشطة التي أصبحت هي النواة المحركة للابتكار؟ وهل تعتبر هذه الشركات نفسها جاهزة للتغيير في مواجهة مستقبل رقمي متنامٍ؟

وكما هي الحال مع جميع التحديات الكبرى، فإنّ الحاجة أم الاختراع، واليوم، أصبحت هذه الحاجة الملحة لاستدامة الأعمال تدفع بالشركات إلى تطوير وحدات رأس المال الجريء المؤسسي بشكل تدريجي، والتي يمكن القول إنها واحدة من أكثر الطرق فاعلية من شأنها أن تعيد تنشيط بيئة الشركات الناشئة.

يعود نشاط رؤوس الأموال الجريئة للشركات لأكثر من قرن للآن، وخير مثال على ذلك استثمار شركة "دوبونت" عام 1914 في شركة سيارات ناشئة كان عمرها ست سنوات، المعروفة باسم "جنرال موتورز"، وذلك لتعزيز أعمال الدهان والجلود الاصطناعية. وبحلول عام 1920، أصبح هذا الاستثمار بالتحديد يولّد أكثر من نصف إجمالي أرباح شركة "دوبونت".

لذا، على الرغم من أنّ نشاط رأس المال الجريء للشركات ليس ظاهرة جديدة، إلا أنه يشهد نوعاً من التجدّد، ففي السنوات الخمس الماضية فقط، ارتفع عدد المستثمرين النشطين على مستوى العالم في هذا المجال إلى ثلاثة أضعاف. واليوم، تضم قائمة مجلة "فورتشن" لأكبر 100 شركة على 75 شركة نشطة عالمياً في مجال الاستثمار بالشركات الناشئة، تقودها شركات مثل "جوجل فنتشرز"، "ألفابت" و"جي إي فنتشرز" و"إنتل كابيتال" و"سيلزفورس فينتشرز". من الجدير بالذكر أن رأس المال الجريء للشركات يُمثل الربع تقريباً من مجموع الصفقات الاستثمارية في الولايات المتحدة، و30% على مستوى آسيا.

تنخرط العديد من الشركات أكثر فأكثر في نشاط رأس المال الجريء الخاص بها كآليةٍ للبقاء. فإذا كنت قد أطلقت شركة في ستينات القرن الماضي، فإنّ متوسط عمر شركتك كان 60 عاماً تقريباً، أما اليوم، فإن متوسط عمر الشركات الجديدة 15 سنة فقط. ببساطة، من المرجح أن تُفلس 40% من الشركات المدرجة حالياً على قائمة "فورتشن" لأكبر 500 شركة خلال عقد من الزمن. لا بد للشركات بأن يكون لها نشاط إبداعي وإلا فإنها سوف تندثر، مؤكدة بذلك الحقيقة الراسخة بأنّ التغيير الذي نشهده لم يسبق له أن تحرك بهذه السرعة ولا شيء من شأنه أن يبطئه.

يُعرّف نشاط رأس المال الجريء للشركات في جوهره على أنه اقتران تجربة مشروع كبير مع القدرات الإبداعية لشركة ناشئة، إذ تتطلع الشركات إلى الاستفادة من الابتكار الذي تقوده المشاريع الناشئة، وذلك في إطار سعي الشركة الكبيرة لتطوير منتجات وخدمات تكميلية أو جديدة، أو كسب منفذ نحو التقنيات المبتكرة، أو حتى تحديد فرص لأسواق جديدة.

إنّ معظم رؤوس الأموال الجريئة المؤسسية (تابعة لمؤسسة) يهمها الاستثمار الاستراتيجي طويل الأجل، على عكس صناديق رأس المال الجريء التي يبلغ متوسط عمر استثماراتها 10 سنوات. بالنسبة للشركات الناشئة، تشكل المؤسسات مصدراً لرأسمال أكثر مرونة واستمرارية، إذ تأخذ الشركات المستثمرة دوراً استراتيجياً واستشارياً، بحيث توفر للشركات الناشئة الدعم والموثوقية باعتبارها شركات معروفة، وتمكن المشاريع الناشئة في نفس الوقت من الوصول إلى أسواقها الكبيرة.

يشهد العالم اليوم تزايداً سريعاً في نشاط رؤوس الأموال الجريئة المؤسسية، أما في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتمد المشاريع الناشئة بدرجة كبيرة على تمويل الصناديق الاستثمارية، لا تزال أقسام رؤوس الأموال الجريئة المؤسسية تحتاج إلى جهود توجهها نحو المسار الصحيح لتتمكن من خدمة البيئة الريادية في المنطقة.

ففي الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، من بين المستثمرين ال10 الأكثر فاعلية في مجال رأس المال الجريء في السنوات الخمس الماضية، كان هناك مستثمران مؤسسيّان فقط. في المقابل، فإنّ ثلاثة أرباع الشركات المدرجة في "فورتشن" 100 لديها فريق مخصص للعمل على الاستثمار في الشركات الناشئة. تُعتبر هذه فرصة استثنائية ولكنها للأسف مبددة، لا سيما أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشهد طفرة في مجال ريادة الأعمال. وبالتالي، من الواضح أننا على منعطف يحتم على الشركات الكبرى الدخول في الصدام والقيام بدور أكثر حزماً لتعزيز بيئة المشاريع الناشئة وركوب الموجة التالية من الابتكار والنمو.

يُمثل نشاط رأس المال الجريء للشركات في شركة "الهلال للمشاريع" ركيزة أساسية لاستراتيجيتنا طويلة الأجل بينما نخطو بعزم نحو بيئة الأعمال المستقبلية. ومن خلال ذراع رأس المال الجريء المؤسسي لدينا "الهلال للمشاريع الناشئة"، وهو وحدة مؤسسية ضمن الشركة، نخطط لاستثمار 150 مليون دولار في المشاريع الناشئة في مراحلها المبكرة والمتقدمة على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وفي الشهور التسعة الماضية فقط، استثمرنا في ثماني شركات ناشئة عبر قطاعات الاقتصاد العالمي المختلفة بما في ذلك التكنولوجيا الطبية، والذكاء الاصطناعي، وأمن الفضاء الإلكتروني، والتجارة الإلكترونية في مجال الأغذية، وتكنولوجيا الطائرات ذاتية القيادة للقطاع الصناعي.

وفضلاً عن تعزيز دورنا كمستثمرين استراتيجيين وخبرتنا التشغيلية في عدد من القطاعات الرئيسية، تُمكننا هذه الإنجازات أيضاً من دعم الشركات الناشئة العالمية التي تستطيع أن تأتي بالتطورات التكنولوجية ووسائل استخدامها إلى منطقتنا، وأن تُكيِّفها على نحو يلبي احتياجاتنا ومتطلباتنا بصورة مناسبة.

وعلى نفس القدر من الأهمية ما نكرسه حالياً من جهود للاستثمار في تطوير جيل محلي من رواد الأعمال الذين يمتلكون مقومات وإمكانات هائلة ستمكنهم من تعزيز مكانة المنطقة على خريطة مبتكري التكنولوجيا عوضاً عن استهلاكها وحسب. وفي النهاية، نعتقد أنّ هذه الجهود سوف تعزز الابتكار الضروري من أجل التصدي لبعض أكبر التحديات التي نواجهها اليوم.

 

كما نشر في صحيفة الخليج بتاريخ 17 يونيو 2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5  +  4  =