Corporate Governance

تعزيز الابتكار وريادة الأعمال لتحقيق نمو شامل

لم يكن الأمر ذا أهمية بصفة دائمة، فبالنسبة لأنصار نظرية التدفق الهابط والتي تقول بأن حصول ذوي الدخل المرتفع على منافع اقتصادية أكبر سوف يعود بالنفع على المجتمع ويعمل على إيجاد الوظائف والحد من الفقر وزيادة الدخل. طبقا لهذه النظرية، طالما أن الاقتصاد يشهد نمواً فإن المنافع العائدة من ذلك النمو سوف تتدفق تلقائياً عبر هذا النظام.

تم تدريس أشكال متباينة من هذه الفكرة لطلاب الاقتصاد والأعمال على مدار عقود، الأمر الذي أدى إلى ما قد يصفه الكثيرون بوسواس الناتج المحلي الإجمالي واعتبارة المقياس الأكثر موثوقية للنجاح الاقتصادي. ومع ذلك، فإن الخبير الاقتصادي الذي لا يقيِّم سوى الناتج المحلي الإجمالي، مثله مثل السائق الذي يركز فقط على السرعة، لن ينتبه إلى العلامات التحذيرية العديدة على الطريق.

في واقع الأمر، تفيد دراسة بحثية صادرة من قبل صندوق النقد الدولي في يونيو بأنها أثبتت خطأ نظرية التدفق الهابط، حيث أنها لم تخلص فقط إلى أن منافع النمو الاقتصادي قلما يتم توزيعها بصورة متساوية بل أيضا وجدت أن الزيادة غير المتساوية في الدخل يمكنها أن تؤثر سلبا على سرعة النمو الاقتصادي[1]. وطبقاً لذلك التقرير، فإن زيادة بنسبة 1% في دخل نسبة 20% من الأشخاص الأكثر ثراءً في المجتمع من شأنها أن تؤدي إلى انحسار النمو السنوي بنسبة 0.1% خلال خمسة أعوام. وفي المقابل، فإن زيادة دخل نسبة 20% من الأشخاص الأكثر فقراً في المجتمع بنسبة 1% فقط سوف يؤدي إلى زيادة في النمو السنوي بنسبة 0.4% خلال نفس الفترة الزمنية.

عندما يتعلق الأمر بالقضاء على الفقر، يكون لدرجة مشاركة منافع النمو تأثير كبير على النتائج. طبقاً لتصريح مارتن رفاليون، رئيس البحوث السابق في البنك الدولي، الوارد في "The Economist" فإن زيادة الدخل بنسبة 1% في الدول الأكثر معاناة من عدم المساواة يؤدي إلى انخفاض معدلات الفقر بنسبة 0.6% فقط أما في الدول التي تتمتع بالمساواة فإنها تشهد انخفاض معدلات الفقر بنسبة 4.3%.[2] بمعنى آخر، يمكن للمجتمعات الاستفادة بصورة أكبر إذا ضمنت توزيع المنافع على نطاق أوسع.

يقودنا الحديث هنا إلى النقطة التي تلتقي فيها نهاية نظرية التدفق الهابط ببداية النمو الشامل. طبقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن النمو الشامل هو "توجه جديد في النمو الاقتصادي يهدف إلى تحسين مستويات المعيشة ومشاركة منافع زيادة الرفاهية بصورة متساوية بين مختلف شرائح المجتمع."[3]

يشير النمو الشامل إلى سرعة ونمط تحقيق النمو وهما جانبان مترابطان لذا يجب تناولهما معاً. تمثل الشمولية المساواة في الفرص من حيث القدرة على دخول الأسواق والوصول إلى الموارد ووجود بيئة رقابية غير متحيزة سواء بالنسبة للشركات أو الأفراد. فإن الأمر لا يتعلق فقط بقدر النمو في اقتصاداتنا ومجتمعاتنا ولكن أيضا بنوعية ذلك النمو.

ثمة حاجة واضحة لتحقيق نمو أكثر شمولية، وقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أنه بين العامين 1976 و 2007 قامت نسبة 1% من أعلى الحاصلين على المنافع باستنفاذ نسبة 47% من نمو الدخل في الولايات المتحدة و37% في كندا و20% في كل من أستراليا والمملكة المتحدة.[4] ويعد ذلك على درجة من الأهمية، حيث أن نسبة عدم المساواة الآخذة في التوسع قد أدت إلى ظهور نطاق من التحديات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات بمرور الوقت. يشتمل ذلك حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي ناهيك عن إهدار الإمكانيات الذي ينتج عن عدم حصول نطاقات كبيرة من الأفراد على فرصة لتحسين أوضاعهم.

ومع زيادة الزخم الذي يشهده تحفيز المزيد من النمو الشامل على مستوى العالم، يتعين تعريف شبابنا لاسيما طلاب الأعمال ورواد الأعمال على هذه الأداة الأكثر شمولا لقياس التقدم الاقتصادي، وذلك في بداية حياتهم المهنية. وبوصفهم قادة الأعمال المستقبليين، سوف يكون لمدى فهمهم للنمو الاقتصادي المستدام تأثير كبير على قرارات الأعمال التي سيتخذونها في المستقبل.

يمكن لقادة الأعمال الحاليين تحفيز النمو الشامل من خلال تطبيق مبادئ فرص العمل المتساوية ودفع رواتب ومزايا عادلة لموظفيهم وتبني الممارسات الأخلاقية في المشتريات وسلسلة التوريد. ولا يعد هذا بالمفهوم الجديد – فقد بدأت حركة التجارة العادلة منذ عقود وساعدت المنتجين في الدول النامية في تحقيق معايير بيئية واجتماعية أعلى من أجل تعزيز الاستدامة. إن الشراكات التجارية التي تستند إلى الحوار والشفافية والاحترام والتي تسعى إلى الاستحواذ على نصيب أكبر في التجارة الدولية تعمل على الحد من استثناء أي فرد.

من الطرق الأخرى التي يمكن لقادة الأعمال المساهمة من خلالها هي تقديم خدمات أساسية وبنية تحتية للمجتمعات التي تم استثناؤها من قبل. على سبيل المثال، قام عدد من قادة الأعمال بمن فيهم مارك زوكربيرغ وبيل جيتس بتوقيع تعهد بإتاحة توصيل الإنترنت إلى جميع البشر بحلول عام 2020.[5] ففي عالمنا الذي تقوده التكنولوجيا، فإن القدرة على الوصول إلى الإنترنت تعد قوة هامة بالنسبة للدمج الاجتماعي والاقتصادي.

يرتبط النجاح في تحقيق النمو الشامل ارتباطاً وثيقاً بمكافحة عدم المساواة الاجتماعية والمالية، وتطبيق عملية توظيف منتجة وليس مجرد إعادة توزيع للدخل. طبقا لتصريح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن توقعات التوظيف وجودة الوظائف والنتائج الصحية والتعليم وفرص بناء الثروات عبر الزمن تعد جميعها على درجة متساوية من الأهمية بالنسبة لتحقيق رفاهية الأفراد والمجتمعات. كما تعد الحالة البيئية أيضا على درجة كبيرة من الأهمية. وتعد هذه هي الجوانب الملموسة وغير الملموسة التي يمكن للنمو الشامل تحقيقها لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا إذا تمكنا، كمواطنين وأعضاء مجتمع الأعمال في منطقة الخليج، من الاتفاق على وضع النمو الشامل على رأس أولويات جيلنا الحالي والأجيال المستقبلية.

على مدار الأسبوع الماضي وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين في نيويورك من أجل إطلاق أهداف التنمية المستدامة، شاهدتُ عدداً لا يحصى من ممثلي الحكومات والأعمال والمجتمع المدني أثناء حديثهم عن إرساء ركائز المنهج الجديد لإيجاد التوازن وتلبية احتياجات البشر ضمن الحدود التي يمكن أن تقدمها الطبيعة بصفة مستدامة. ومع تولي القطاع الخاص لدور القيادة في مشاركة الأفراد والمجتمعات على مستوى العالم، فإن لدينا إمكانية إحداث تغييرات هامة خلال هذه المرحلة غير المسبوقة من تاريخ البشرية من خلال تعزيز النمو الاقتصادي الذي يمكنه حقاً رفع كل القوارب.

كما هو منشور على موقع الاقتصادي بتاريخ 8 أكتوبر2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3  +  5  =