تنوع اقتصاد الشارقة يضاعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة
سررت بالتحدث إلى صحيفة "الخليج" حول تطلعات الهلال للمشاريع واقتصاد الشارقة بشكل عام، وفيما يلي نص الحوار:
كشف بدر حميد جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة "الهلال للمشاريع"، رئيس التطوير في "نفط الهلال" والعضو المنتدب لمجموعة "الهلال" أن المجموعة تتطلع للتوسع نحو أسواق إفريقيا جنوب الصحراء والدول النامية في آسيا والتي تبرز حالياً بصفتها إحدى أسرع المناطق نمواً في العالم؛ حيث نجحت المجموعة في التوسع إلى قطاعات رئيسية أخرى مثل الموانئ والخدمات اللوجستية، والهندسة والطاقة، وطيران رجال الأعمال، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا، واستثمارات الأسهم الخاصة. وأكد جعفر في حوار مع "الخليج" أن رؤية حكومة الشارقة وانفتاحها نحو تشجيع الشركات أسهم في استقطاب المزيد من الشركات والمستثمرين الأجانب، ففي العام 2016، اجتذب اقتصاد الشارقة رقماً قياسياً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي من المتوقع أن تنمو بمعدل 15% لتتجاوز مليار درهم بحلول نهاية 2017. وقال إن الشارقة تحظى بأكثر اقتصاد متنوع في دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ لا يسهم أي قطاع وحده بأكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني توفر خيارات كبيرة أمام الشركات لكي تستفيد من فرص النمو، وتمتلك الإمارة أيضاً مجتمعاً مزدهراً من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يتجاوز عددها 45000 شركة والتي تستفيد من سلسلة التوريد التنافسية في الإمارة.
كيف يؤثر اهتمام الإمارات الحالي بالتنويع الاقتصادي على "مجموعة الهلال"؟
– لقد استهلت "مجموعة الهلال"، وهي شركة عائلية تمتد جذورها لأكثر من 46 عاماً، أعمالها في قطاع النفط والغاز من خلال شركة "نفط الهلال" التابعة لها. وبفضل شركة الهلال للمشاريع التي تتبع أيضاً لمجموعة الهلال، فقد نجحنا في التوسع إلى قطاعات رئيسية أخرى مثل الموانئ والخدمات اللوجستية، والهندسة والطاقة، وطيران رجال الأعمال، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا، واستثمارات الأسهم الخاصة. وتتمتع الشركة بحضور عالمي قوي، ونتطلع دوماً إلى تحقيق النمو بالترافق مع تطوير مؤهلات موظفينا الذين يتجاوز عددهم 4500 موظف.
ومنذ تأسيس "الهلال للمشاريع"، ركزت استراتيجيتنا على سياسة التنويع على المدى البعيد بشكل يمكّننا من الابتكار واستكشاف طرق جديدة لخلق قيمة مضافة؛ لذا فإن نمونا ونجاحنا يعكسان توجه تنويع الاقتصاد الذي تشهده حالياً دولة الإمارات والمنطقة ككل.
وعلاوة على أسواقنا المحلية، نتطلع إلى التوسع نحو أسواق إفريقيا جنوب الصحراء والدول النامية في آسيا والتي تبرز حالياً بصفتها إحدى أسرع المناطق نمواً في العالم؛ حيث تشير التوقعات إلى زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي في بعض بلدان هذه المنطقة عن 5% مقارنة بالأسواق المتقدمة التي يتراوح فيها معدل النمو المتوقع بين 1 – 2 %. ومع سعينا الدائم إلى تعزيز استراتيجية التنويع التي نتبعها والتوسع إلى أسواق وقطاعات جديدة، فسوف نواصل التركيز على تحقيق نمو شامل من خلال ممارسات المواطنة المؤسسية والحوكمة والاستدامة.
ما الذي يجب فعله للتوجه نحو مستقبل اقتصادي أفضل؟ وما توقعاتك للنمو الاقتصادي في الشارقة؟
– تتميز كل دولة بمجموعة خاصة من الفرص والتحديات. وعلى مستوى المنطقة ككل، تشمل بعض الخطوات الواجب اتخاذها التنويع في القطاعات غير النفطية وتهيئة بيئة أعمال داعمة تشجع الأشخاص من كافة الجنسيات على دخول الأسواق وتتيح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، المجال لتحقيق النمو.
إن تأسيس منظومة تعليمية قوية، هو أمر مهم أيضاً لضمان أن تمتلك أجيال الشباب المهارات اللازمة للتفوق في أسواق العمل الحالية التي تتسم بالديناميكية والمتطلبات العالية. ويشير حوالي 40% من أصحاب الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن فجوة المهارات تشكل عائقاً رئيسياً أمام نمو الأعمال؛ وذلك بحسب تقرير حديث صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. لذا، يعتبر الاستثمار في تعزيز رأس المال البشري من أهم الضرورات لتحضير الشباب للمستقبل.
لقد حققت الشارقة، مثل بقية الإمارات الأخرى، إنجازات مميزة في هذه المجالات. فعلاوة على تنويع الدخل خلال الأعوام القليلة الماضية، أسهمت رؤية الحكومة وانفتاحها نحو تشجيع الشركات في استقطاب المزيد من الشركات والمستثمرين الأجانب. وفي العام 2016، اجتذب اقتصاد الشارقة رقماً قياسياً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي من المتوقع أن تنمو بمعدل 15% لتتجاوز مليار درهم بحلول نهاية 2017. وتحظى الشارقة حالياً بأكثر اقتصاد متنوع في دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ لا يسهم أي قطاع وحده بأكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعني توفر خيارات كبيرة أمام الشركات لكي تستفيد من فرص النمو. وتمتلك الشارقة أيضاً مجتمعاً مزدهراً من الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن ثقافة ريادة الأعمال التي تم ترسيخها بفضل الجهود المشكورة لمبادرات مثل مركز الشارقة لريادة الأعمال "شراع" في الجامعة الأمريكية بالشارقة.
ما نهج "جلفتينر" لضمان تحقيق نمو مستدام في بيئة الأسواق الحالية؟
– تعد "جلفتينر" شركة عاملة تحت مظلة الهلال للمشاريع، وهي إحدى أعمالنا الرئيسية؛ حيث تم تأسيسها في الشارقة عام 1976 بهدف إدارة أول محطة حاويات شحن في الشرق الأوسط. ومنذ تأسيسها، طورت الشركة من معرفتها وقدرتها وكفاءتها لتصبح شركة عالمية لإدارة الموانئ واللوجستيات تمتد عملياتها في خمس قارات.
وشهد العام السابق فترة من عدم الاستقرار بالنسبة لأسواق الشحن حول العالم نظراً لتباطؤ نمو التجارة العالمية وعمليات الاندماج في القطاع. وعلى الرغم مما سبق، حافظت "جلفتينر" على مكانتها كأكبر شركة خاصة مستقلة في العالم لتشغيل محطات الحاويات؛ حيث سجلت حجم حاويات أكثر من ستة ملايين وحدة مكافئة لعشرين قدماً من خلال أعمالها حول العالم. كما نجحت الشركة في تحقيق معدل نمو سنوي مركب يبلغ 14% بين عامي 2012 و2017، وهو أعلى بكثير من المعدل العالمي الذي يقل عن 3% خلال الفترة نفسها.
وعبر الموانئ العشرة التي تديرها "جلفتينر" عالمياً، قدّمت الشركة باستمرار حلولاً عالمية المستوى ومعدلة لتناسب مختلف الأسواق. كما ركزت على الاستثمار والابتكار بهدف التأقلم مع التوجهات المتغيرة. ويكمن النهج الذي نتبعه لضمان تحقيق نمو مستدام في أمرين رئيسيين، الأول هو التركيز بقوة على التكنولوجيا التي تتيح لنا الارتقاء بمعايير عملياتنا إلى أفضل الممارسات العالمية. فمثلاً، يوفر نظام تشغيل محطات مناولة الحاويات والعمليات البحرية (MACH TOS) الذي تم تطبيقه في محطاتنا في الإمارات إمكانية التحكم الحاسوبي بحركة الحاويات وتخزينها، مما يفتح المجال للمزيد من عمليات الأتمتة التي تشمل إنترنت الأشياء، والتحليل التنبؤي، والتنقل. العامل الثاني هو قدرتنا على تقديم حلول متكاملة من خلال "مومنتوم لوجيستيكس"، وهي شركة أخرى عاملة تحت مظلتنا وتقدم الخدمات اللوجستية كطرف ثالث، وهي مكملة لخدماتنا في قطاع إدارة الموانئ. ويعتبر هذا الأمر عاملاً مهماً لنجاحنا في توفير خدمات استثنائية وقيمة مضافة لعملائنا، وفي تأمين قيمة مستدامة للاقتصاد من خلال دعم الصناعات المحلية وخلق فرص عمل.
توجه الشركات الكبيرة نحو تمويل المشاريع الناشئة
يرى بدر جعفر أن توجه الشركات نحو التركيز على رأس المال الاستثماري يصب في التنمية المشتركة، وهذا يساهم بملء فجوة كبيرة، ليس فقط في تمويل الشركات المبتدئة، ولكن في تطوير مشاريع عالية الجودة. في أسواق مثل الولايات المتحدة، كان تمويل المشاريع الاستثمارية سائداً منذ أوائل القرن العشرين، وقد دعم ذلك نمو شركات ومنتجات شهيرة، وقد أتى ذلك على شكل ثمرة جهد متضافر بذلته شركات دولية كبيرة لتنويع قدراتها باستخدام التكنولوجيا ورأس المال الفكري كعناصر داعمة.
في منطقة الشرق الأوسط، وصلنا إلى منعطف لم تعد تشكل فيه التنمية الاقتصادية التي تقودها الحكومات وحدها حلاً عملياً. لذلك من المتوقع أن يكون للقطاع الخاص دور رئيسي في قيادة الموجة التالية من الابتكار والنمو، ولهذا يجب أن يكون هناك تنويع في مجالات العمل ونمو لريادة الأعمال المؤثرة. كما أن الشركات الكبيرة في المنطقة، وكثير منها شركات عائلية يعود تاريخها لعقود عدة والتي قدمت في الغالب مجموعة متخصصة من المنتجات والخدمات، ستحقق الكثير من الفائدة من خلال النظر في التوسع بأعمالها من خلال الاستثمار في أعمال ناشئة خارج الشركة سعياً وراء حلول جديدة للنمو.
دمج الاستدامة في أنشطة الشركة
قال بدر جعفر إن "الهلال للمشاريع" تدير عملياتها واستثماراتها الاستراتيجية من منظور طويل الأجل يهدف إلى تحقيق أقصى قدر من التأثير الاجتماعي مع ضمان النمو وخلق القيمة لأصحاب المصلحة والمجتمعات التي نعمل فيها على نطاق أوسع. كما نطبق نموذج أعمال يمكننا من أن "نحسن صنعاً، من خلال فعل الخير"، وبالتالي فإن الاستدامة تشكل عنصراً جوهرياً في كل ما نقوم به.
إحدى أهم المبادرات التي ننفذها من أجل تحقيق هذه الغاية هي خلق فرص عمل مجدية للمساعدة على خفض نسبة البطالة ونقص المهارات في المنطقة. على سبيل المثال، نعمل مع مجلس الأعمال الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي من أجل الوفاء بتعهدنا بتزويد 1000 شاب وشابة بمهارات عملية أساسية بنهاية 2017.
تطور الشركات الناشئة في ظل التحديات
تعتبر ريادة الأعمال في مقدمة الأولويات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث يصنف أكثر من نصف بلدان المنطقة تحتل مراتب بين أول 50 في المئة من الدول على المؤشر العالمي لريادة الأعمال. ويشعر بدر جعفر بالفخر من المكانة الرائدة التي وصلت إليها الإمارات في هذا المجال، ويعطي مثلين "سوق دوت كوم" و"كريم" كنموذجين ناجحين لريادة الأعمال في المنطقة. ويقول: "لكن على الرغم من أننا نشهد نمواً سريعاً في قطاع المشاريع الناشئة، فإنه ما يزال علينا تكثيف الجهود للارتقاء بمستوى أدائنا في مجالات مثل التدويل ومهارات تأسيس المشاريع الجديدة والابتكار في سير العمليات، وهي الجوانب التي تميز مراكز الابتكار العالمية كمصادر للقيمة الاقتصادية والتغيير الملموس."
ويضيف جعفر: "اليوم، في ظل الثورة الرقمية التي نشهدها في الوقت الحالي، نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب نماذج أعمالنا لتواكب هذا النموذج الجديد من ريادة الأعمال. وفي حين أن الربحية ما تزال تشكل المحرك الرئيسي، إلاّ أننا قد نزيد من فرص نجاحنا على المدى البعيد من خلال التركيز على خلق علامات تجارية قوية وفق معايير عالمية، وخلق فرص العمل وتطوير المهارات الأساسية، والانتقال من كوننا مستهلكين للحلول فقط إلى أن نغدو من مقدمي الحلول أيضاً."
—
نشرت المقابلة في صحيفة الخليج وعلى موقعها الإلكتروني بتاريخ 10 سبتمبر 2017