CEO Questions 2021 Badr Jafar

رؤية جديدة للأعمال والاستدامة (1-4): مع بدر جعفر الرئيس التنفيذي لشركة "الهلال للمشاريع"

تبدأ هارفارد بزنس ريفيو اعتباراً من اليوم نشر سلسلة من أربعة أجزاء تقدم مناقشات ثرية حول مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بالأعمال والريادة والإدارة في المنطقة العربية، مع بدر جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة "الهلال للمشاريع"، ورئيس شركة "نفط الهلال"، ومؤسس "مبادرة بيرل" من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الأفكار القيادية المهمة خلال هذه الأوقات الاستثنائية.

بداية، وباعتبارك رجل أعمال إماراتي، كيف تنظر إلى الاتفاقات الإبراهيمية الموقعة مؤخراً؟
أود التنويه بداية إلى أنني أنحدر من أصول فلسطينية، ومن الواضح أن القضية الفلسطينية الإسرائيلية قضية عاطفية للغاية بالنسبة لكثير من الناس، خاصة بالنسبة للجيل الذي عانى، ولا يزال يعاني، آثار آلامها.
وعندما تتفاقم أي مشكلة تعذّر حلها منذ زمن، تبرز ظاهرة تتمثّل في "تعلق الناس بتلك المشكلة"، أي أن هوية بعض الأفراد قد ترتبط أحياناً بمشكلاتهم، وقد ينظر الآخرون في بعض الأحيان إلى أي محاولات معالجة تلك المشكلات على أنها تحدٍّ لهويتهم.

ولطالما أثارت تلك القضية اهتمامي على مدى سنوات عديدة، وبما أنني من مؤيدي فلسفة "إذا أردت أن تعرف شيئاً حق المعرفة، فتعامل معه عن قرب"، فقد ذهبت عدة مرات لمقابلة بعض الأسر التي لا تزال تعيش في مدينة الناصرة وللصلاة أيضاً في المسجد الأبيض الذي بناه جدي الخامس أو السادس الشيخ عبد الله الفاهوم منذ أكثر من 200 عام. وبالمناسبة، فقد اختار الشيخ عبدالله اسم "المسجد الأبيض" ليرمز إلى حقبة جديدة من النقاء والسلام بين الأديان الإبراهيمية في الناصرة.

وأحد أهم الأشياء التي اكتشفها شخصياً خلال زياراتي كان إدراك مدى العمق المجتمعي لليهود العرب في إسرائيل، وأعني بهم اليهود الشرقيين (أو اليهود المزراحيين) الذين أتوا من جميع أنحاء العالم العربي، بمن فيهم يهود سورية والعراق والمغرب ومصر وليبيا واليمن، حتى قبل الإسلام.

في الواقع، عومل اليهود معاملة أهل الذمة تحت الحكم الإسلامي، وشهدت حقبة انتشار الإسلام حصولهم على الحماية القانونية الكاملة وحرية العقيدة، إلى جانب الجماعات الدينية الأخرى من غير المسلمين. كما كانوا يحتكمون أيضاً لشرائعهم الدينية. على سبيل المثال: سُمح للجالية اليهودية الكبيرة في المدينة المنورة بتأسيس محاكمها الخاصة.

وتشكّل تلك الجالية من اليهود اليوم أكثر من ثلث سكان إسرائيل، كما أنها تشكل أكثر من 50% من السكان عند دمجها مع العرب الفلسطينيين. ويعود أصل الكثير من رجال الأعمال البارزين وحتى السياسيين في إسرائيل إلى اليهود المزراحيين الذين ولدوا في البلدان التي ذكرتها للتو، وليس من المفاجئ أنهم ما زالوا يعتزون بالتراث العربي، بما في ذلك اللغة والموسيقى والطعام.

لم أدرك ذلك قبل زيارتي للمنطقة، لكنني وقعت في حيرة بين أمرين، وهما الرغبة في التعرّف على هؤلاء الأفراد البارزين وتاريخهم، إذ هم من إخواننا العرب الذين ولدوا وترعرعوا إلى جانب أجدادنا في المدن الكبرى في شبه الجزيرة العربية، وضرورة تجنب سياستهم الفاسدة التي ما زلت أرفضها حتى اليوم.

لا أود بالطبع التطرق إلى قضايا سياسية، ولست مؤهلاً لخوض نقاش سياسي بصفتي رجل أعمال بسيطاً.

ماذا عن قطاع الأعمال؟ كيف ستنعكس هذه الاتفاقية على مجال الأعمال تحديداً؟
أثق بشكل عام بقوة عالم الأعمال وأهميته في بناء علاقات قادرة على تحمّل الصدمات بمختلف أشكالها، فالعالم الذي نعيش فيه يعتمد على قوة تبادل المنافع، وكلما ازداد ترابطنا من خلال تبادل المنافع طوّرنا عقلية الاعتماد المتبادل، وهو ما يجبرنا على ابتكار حلول عملية لأي قضايا ناشئة استجابة لمصالحنا الشخصية.

ويمكنني أن أذكر العديد من الأمثلة في التاريخ حول صمود تلك العقلية أمام اختبارات الزمن، ولكن في المقابل كان فشلها يعود أحياناً إلى عدم التكافؤ في معادلة الاعتماد المتبادل، الذي أسفر عن عدم توازن المصالح ما أدى في النهاية إلى انهيار العلاقات.

وبشكل عام، مارست دولة الإمارات العربية المتحدة بصفتها دولة ذات سيادة حقوقها السيادية لاتخاذ الإجراءات الأفضل لها على عدد من الأصعدة.

ولا ننسى أنه كلما حاول أي شخص شق طريق جديد في حياته، سيواجه بطبيعة الحال بعض المقاومة، ويتطلب الشروع في أي رحلة جديدة كثيراً من الشجاعة. لكني أعتقد أيضاً أن الكون يكافئ الشجعان، أو كما يقول الشاعر: "ويفوز باللذات كل مغامر".

ومن المهم أن نضع في اعتبارنا أيضاً أن العلاقات الناجحة تستند في النهاية إلى الثقة المتبادلة، وأن الثقة ليست شيئاً نبنيه بالكلمات بين عشية وضحاها، بل يجب على كلا الطرفين في أي علاقة محاولة كسب الثقة وتعزيزها من خلال الأفعال، والزمن كفيل بإثبات مدى صدق العلاقة.

حدثنا عن رأيك الشخصي حول الوضع العام فيما يتعلق بجائحة "كوفيد-19″، وما رؤيتك لمسار التعافي في المرحلة المقبلة؟
قد يطول الحديث عن جائحة "كوفيد-19" لساعات لا نتطرق خلالها إلا إلى قضايا بسيطة جداً حول وضع الجائحة في الأمس واليوم والمستقبل. إذ يوجد في الحقيقة كثير من المعلومات التي نجهلها مقارنة بالمعلومات التي نعرفها بالفعل.

لكن ما يبعث على التفاؤل بشكل عام أن العلم يتحرك بسرعة كبيرة في هذا الصدد، وأسرع حتى من أي أزمة صحية عالمية أخرى في التاريخ.

وكما تعلمون، يبدأ كل فيلم يدور حول إحدى الكوارث بتجاهل الحكومة لأحد العلماء، وعلى الرغم من وجود العديد من المشككين في الجائحة (إضافة إلى الرافضين لها)، فإنني أعتقد أننا طورنا بسرعة وعياً جماعياً حول المخاطر التي يفرضها الفيروس علينا كأفراد ومجتمع وعلى صعيد العالم بأسره، وحول كيفية الحد من مخاطر العدوى، خاصة مع الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، وحول الحاجة الملحة إلى تطوير حلول لمواجهة كل من العواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

ومن حيث التوقعات، يعتمد الأمر على الأفق الزمني الذي نتحدث عنه، أي المدى المنظور أو المدى البعيد.

فبالنسبة للمدى المنظور القريب: لا تزال هناك مجموعة من التدابير التي نعرف أننا نجهلها ولكن نتجادل حولها، كاللقاحات والاعتمادات الطبية والأطر الزمنية للانتهاء من إعطاء اللقاح للجميع، وتوجهات عودة العدوى المحتملة، وشدة الأعراض المصاحبة للعدوى في حال تكرارها، وأنواع الاستجابة المناعية (مثل نظرية الخلايا التائية)، وطبيعة السلالات المستقبلية ومدى فاعلية اللقاحات ضد جميع السلالات أو ما إذا كان يجب تحسينها بشكل مستمر كل عام كما هو الحال مع لقاح الإنفلونزا.

لكن فيما يتعلق بالصحة بشكل عام، فعلى الرغم من حقيقة أنه لا يزال لدينا أعداد مقلقة من الإصابات الجديدة في عدد من البلدان حول العالم، بما في ذلك منطقتنا، فإن معدل الوفيات لا يزال منخفضاً. كما أصبح معدل الوفيات في العديد من البلدان، حتى تلك التي تظهر ارتفاعاً في حالات العدوى، أقل بكثير مما كان عليه من قبل، ويعود ذلك جزئياً إلى زيادة عدد الاختبارات التي تُجرى على المرضى والأصحاء على حد سواء، وإلى أننا تعلمنا كيفية علاج الأعراض بشكل أكثر فاعلية، وربما أيضاً إلى إصابة الفئات الأصغر سناً من السكان بالفيروس.

أما بالنسبة للاقتصاد، فعلى الرغم من عدم وجود اقتصاد محصّن ضد الأزمات الصحية وعمليات الإغلاق الناتجة عنها، فإننا نشهد تراجعاً في التداعيات الاقتصادية الفورية في معظم الاقتصادات الكبرى، وتدور الأسئلة المهمة بالطبع حول وتيرة التعافي. كما أسفرت سياسة الحوافز المالية والنقدية حول العالم في عام 2019 عن وصول الدَين العالمي إلى رقم قياسي جديد خلال الربع الأول من عام 2020، حيث وصلت نسبة الدَين إلى 330% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من 250 تريليون دولار، حيث اقترضت الشركات أكثر من تريليون دولار في محاولة منها لمواجهة آثار الجائحة على قطاع الأعمال. وبالتالي لا يمكننا تجاهل ذلك ببساطة، إذ ستقع على عاتق تلك الشركات التزامات كثيرة لخدمة الدَين في السنوات المقبلة، وإن كان بمعدلات فائدة منخفضة بصورة قياسية.

كما أننا نشهد بالفعل تبايناً كبيراً في معدلات التعافي، سواء على مستوى القطاعات أعني نجاح قطاعات مختلفة وفشل بعضها الآخر، وهو ما يُفسر سبب جنون مؤشر "ستاندرد آند بورز 500″، إذ تمثل التكنولوجيا ما يقرب من 30% في هذا المؤشر، ولكن هذه النسبة تمثل حوالي 6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية، أو مثلاً على المستوى الجغرافي، إذ من الواضح جداً للأسف أن التداعيات الاقتصادية للجائحة ستدفع العديد من أفقر دول العالم والاقتصادات التي تواجه صعوبات بالفعل إلى أزمة ديون.

لكننا بشكل عام، تجنبنا على المدى المنظور الانهيار الاقتصادي العالمي الذي كان من الصعب التعافي منه.

ماذا عن تأثيرات جائحة كورونا على المدى البعيد؟ ما هي التغيرات المحورية التي قد تحصل؟
التأثيرات على المدى البعيد هي ما يُثير قلقي.

فبمقدور الأوبئة تغيير مجرى التاريخ، لكن ليس بطريقة واضحة دائماً. وقد نصف بعض التأثيرات على أنها تحولات إيجابية بعد عدة سنوات بعد أن نكون قد فهمنا طبيعتها تماماً.

لكن من الخطأ أن نطمئن إلى الأوضاع الحالية وأن نكتفي بالمراقبة فقط، وأخشى أننا لا نبذل قصارى جهدنا لتوقع التأثير الهيكلي للفيروس على المشهد الاجتماعي والاقتصادي بشكل صحيح ومعالجته بشكل استباقي.

الأمر الذي يمكن تفهمه هو أن غالبية الإجراءات (الحكومية والخاصة) كانت مخصصة للتعامل مع حالة الطوارئ العاجلة، لكن من الناحية الهيكلية ونظراً لأن بعض السلوكيات الاجتماعية قد تغيرت بشكل دائم، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث تحول جذري في بعض قطاعاتنا الاقتصادية، وبالتالي يجب علينا مساعدة مجتمعنا (من الباحثين عن عمل والشركات ذاتها) على الاستعداد للتحول بشكل عاجل لضمان استمرار محركاتنا الاقتصادية في خلق الوظائف والفرص الأخرى لشبابنا ولقوة العمل بشكل عام.

وسيظهر على المدى البعيد عدة تدابير قد لا نعرفها بالطبع، كالأوبئة الجديدة ووقت ظهور أي مرض عالمي جديد وماهيته والطريقة التي سيظهر من خلالها. وبالتالي، يجب ألا نتجاهل التدابير الوقائية والتخطيط بعيد المدى في هذا الصدد، ولا أتحدث هنا عن تطوير القدرة الاقتصادية على التحمل فقط. كما يجب ألا ننسى أن مصدر تلك الجائحة كان إهمالنا للطبيعة. وأعتقد أننا تعلمنا درساً قاسياً بالفعل مفاده أن حماية الطبيعة أمر ضروري لأسباب جمالية بقدر ما هي ضرورية للحفاظ على صحة ورفاهة البشرية.

كيف تقيّم استجابة الحكومات في المنطقة هنا؟
شهدنا تعامل الحكومات في جميع أنحاء العالم مع هذه الجائحة بشكل مختلف تماماً، وشهدنا اتخاذها مجموعات متباينة من الاستجابات، بداية من اتخاذ إجراءات محدودة جداً وانتهاء بحظر التجوال المطبق بصرامة وتنفيذ إجراءات التتبع والملاحقة.

وحده الوقت هو مَن سيحدد هوية الدول التي اتخذت أفضل الإجراءات وتلك التي فشلت في الاستجابة للجائحة، لكن ما أعرفه على وجه اليقين أن مهمة صانعي السياسات في الأشهر الماضية كانت من أصعب المهمات في العالم، فأنت في موضع نقد على الدوام مهما فعلت.

كانت المفاضلات، ولا تزال، بين الصحة والاقتصاد خطيرة للغاية، وحتى داخل قطاع الصحة توجد مفاضلة بين الصحة البدنية والصحة العقلية، ذلك لأن عزل الناس في منازلهم، وحرمان الأطفال من الذهاب إلى مدارسهم سيؤثر سلباً على صحة الناس العقلية، التي قد تصبح بدورها قضية يجب التعامل معها لسنوات عديدة مقبلة.

لن أعلق على استجابات الدول الأخرى، لكن بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، أعتقد أن استجابتنا السياسية كانت ولا تزال من أروع ما يكون. فقد اتخذت الدولة إجراءات في 4 مجالات أساسية وهي:
1) الاختبارات الجماعية للكشف عن فيروس كورونا.
2) التطعيم الشامل.
3) التواصل المنتظم.
4) المشاركة الاستباقية في تحديد العلاجات واللقاحات الجديدة.

وأعتقد شخصياً أننا بحاجة اليوم إلى قياس نجاحنا من ناحية عدد الأرواح التي أنقذناها، ومن حيث قدرتنا على الحفاظ على سبل عيش الأفراد، فقد تمكّنا بشكل عام من إنقاذ الوظائف والشركات.

ويتماشى ذلك مع التدخلات طويلة الأمد المطلوبة التي تحدثت عنها. وأنا على دراية بالطبع بخطة الدعم الحكومية بمليارات الدراهم لتشجيع البنوك على تقديم قروض دون فوائد وبإجراءات الحكومة الفيدرالية الأخرى لتقليل بعض التكاليف على الشركات، لكنني أعرف الكثير من الشركات الجيدة ورجال الأعمال الذين أغلقوا أبواب شركاتهم لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على تلك القروض أو لأنها لم تلبِّ احتياجاتهم.

وأدرك بالطبع أننا لن نتمكن من مساعدة الجميع، وأن بعض الشركات فاجأتنا بصمودها وأصبحت تشكّل عماد اقتصاداتنا على الرغم من أنها ربما لم يكن من المفترض أن تتحمل مثل هذه الظروف، في حين أن إعادة بناء بيئة أعمال جديدة لمساعدة الشركات القائمة بالفعل أكثر تكلفة وصعوبة.

وفي هذا الصدد، لا يقع التدخل على عاتق الحكومات فقط، بل يجب علينا المشاركة نحن أيضاً بصفتنا شركات راسخة. ولهذا دخلت شركة "الهلال للمشاريع" بالفعل في شراكة مع مركز "شراع" لتأسيس صندوق للمِنح من أجل هذا الغرض تحديداً، أي تقديم منح للشركات الناشئة التي حصلت على تقييم بأنها تتمتع بمقومات القدرة على مواصلة أعمالها ولكنها تعرضت لخطر الانهيار بسبب جائحة "كوفيد-19". وعلينا جميعاً دور يجب أن نؤديه لتحقيق ذلك دون أن ننتظر المبادرة من أحد، لأننا إذا فشلنا فسنعاني جميعاً من أوقات عصيبة على المدى البعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8  +  2  =