"من أجل اللعبة، من أجل العالم": ماذا يمكننا أن نتعلم من فضيحة "فيفا"؟

في نفس اليوم، داهمت السلطات مقر "فيفا" وأعلنت عن إجراء تحقيق جنائي في "التجاوزات" التي تم ارتكابها في منح حق استضافة كأس العالم لعامي 2018 و2022 في روسيا وقطر على التوالي، مع توجيه الاتهام بـ"الفساد وغسيل الأموال."

بغض النظر عن نتيجة تلك التحقيقات، فإنه من الواضح أن الهيئة الإدارية والتنظيمية لكرة القدم، والتي مضى على تأسيسها أكثر من 110 أعوام، هي في خضم أزمة متعلقة بالأمور القانونية والتجارية والعلاقات العامة فيها. وعندما تجد أي مؤسسة، سواء كانت عامة أو خاصة أو غير هادفة للربح، نفسها في مثل هذا الموقف فأقل ما يقال أن ذلك دلالة على ارتكاب أخطاء جسيمة فيها. ليس هناك شك في أن عمليات الحوكمة المؤسسية لدى فيفا، التي وضعت 209 مؤسسات لكرة القدم في أنحاء العالم ثقتها فيها، كانت قاصرة قصوراً صارخاً لتسمح لمثل هذا الوضع بأن يتفاقم وينكشف.

ينبغي أن تحمل هذه القصة مغزى وعبرة للشركات في كل مكان- بما في ذلك منطقة الخليج- بشأن الحاجة إلى تطبيق إجراءات الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد التي تمنح الأطراف المعنية الثقة في ممارسات تلك الشركات والاطمئنان إلى نتائجها.

وأنا أعتقد أن هناك على وجه التحديد عدداً من الدروس الهامة التي يمكن استخلاصها من الأمور التي ظهرت للعيان خلال فضيحة "فيفا" التي لا تزال تتفاعل:

أولا، إن مسرح الحوكمة الجيدة أو السيئة هو المناصب العليا. وعندما يكون كبار المسؤولين التنفيذيين في أية مؤسسة متورطين بصفة شخصية في مزاعم جريمة فساد، فينبغي أن يقرع جرس الإنذار بشأن نوع الثقافة المؤسسية التي سُمح لهم بتطويرها تحت إشرافهم.

ثانياً، إن غياب الشفافية لا يحدّ فقط من قدرة المؤسسة على منع الإخفاقات في الحوكمة، ولكنه يحد أيضاً من قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد ادعاءات الفساد والاحتفاظ بثقة أصحاب المصلحة والجهات المعنية. عندما قامت الفيفا بتعيين المدعي الأمريكي السابق "مايكل غارسيا" لإدارة تحقيق بشاًن الأصول والآداب المتبعة في عملية الترشح لاستضافة كأس العالم لعامي 2018 و2022، سجّلت عن غير قصد هدفاً في مرماها حين أعلنت أن النتائج التي توصل إليها غارسيا في 350 صفحة لا يمكن الإفصاح عنها للجمهور "لأسباب قانونية". ولكن ما أعقب ذلك من ضغط عام عليها اضطرها بعد بضعة أشهر إلى نشر ملخص من 42 صفحة وصفه غارسيا نفسه بأنه "غير مكتمل" ويشتمل على "عرض خاطئ للحقائق والنتائج"، وجعل الكثيرين يتساءلون عمّا لدى المؤسسة من أشياء تستحق الإخفاء. وقد استقال غارسيا في وقت لاحق من منصبه كمحقق لدى الفيفا احتجاجاً على ذلك.

ثالثاً، عندما يكون للمؤسسة بصمة دولية، فإن أنشطتها في سوق معين غالباً ما تكون خاضعة لأحكام ونظم سوق أخرى. في مثال الفيفا، فإن قيام المدعى عليهم باستخدام النظام المصرفي الأميركي إلى جانب عقد اجتماعاتهم في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التخطيط لأنشطتهم المزعومة، قد أدى جزئياً إلى منح وزارة العدل الأمريكية ما تحتاجه من سلطة لتسهيل إلقاء القبض عليهم في سويسرا.

رابعاً، إن إخفاقات الحوكمة في إحدى المؤسسات يمكن أن يكون له آثار كبيرة على الأطراف ذات العلاقة وسمعتها. إن الاتهامات التي وُجهت إلى الفيفا الشهر الماضي شكّلت ضغطاً مباشراً على عدد من الرعاة الكبار مثل فيزا، وأديداس، وكوكاكولا، وماكدونالدز، وهيونداي، للقيام بإجراء رسمي والتعبير عن قلق بالغ تجاه تطور الأحداث. فسمعة هذه الشركات ترتبط في السراء والضراء بسمعة كرة القدم الدولية. حتى الانتربول قام بالانفصال عن اتحاد كرة القدم ومشاكله حيث علّق شراكته مع الفيفا التي تقدر قيمتها بـ 20 مليون يورو والتي عقدت عام 2011 لمدة 10 أعوام، وذلك تحت عنوان "النزاهة في الرياضة".

ومع ذلك، أعتقد أن هذه الأحداث تقدم درساً هاماً لنا جميعاً حول تكلفة القبول بأن هناك أموراً معينة لا يمكن تغييرها. يمكننا أن نسمي هذا نوعاً من ضريبة اللامبالاة، ذلك أن التساؤلات بشأن نزاهة كرة القدم الدولية ليست بالأمر الجديد. فحتى لو تبين أن النصف فقط مما تم الادعاء به خلال الأعوام الأخيرة كان حقيقياً، فكيف ولماذا تم السماح باستمرار ذلك طوال هذه الفترة؟

قد نقول بأن ذلك كان أمراً خارجاً عن سيطرتنا، ولكن العملاء وأصحاب المصلحة الآخرين يملكون سلطة مساءلة المؤسسات وإحداث التغيير في المؤسسات رفيعة المستوى. إن حملة "فيفا جديدة الآن" (#NewFifaNow) التي أطلقت في يناير 2015 تعد مثالاً على قدرة الحملات الإبداعية والاستخدام الفعال للإعلام الاجتماعي على الضغط على الجهات المعنية (وهي في هذه الحالة الرعاة واتحادات كرة القدم الوطنية) من أجل إحداث تأثير والمساعدة في تسليط الضوء على القضايا الهامة التي تتطلب إجراء علاجياً.

ويتعين على الحكومات كذلك لعب دور أساسي في هذا الشأن. فبينما يفضل دائماً أن تتخذ الشركات والأعمال الإجراءات من تلقاء نفسها عندما يتعلق الأمر بمنع الفساد المؤسسي، إلا أن الجهات التنظيمية على دراية تامة بأنه لا يمكن ضمان التزام كافة المؤسسات بالقوانين. فيجب أن يتم وضع وتطبيق الآليات اللازمة للتحقيق في أية بوادر تشير إلى وجود فساد قبل فوات الأوان، بهدف حماية نزاهة أسواقها. فتأسيس هيئة وطنية للنزاهة، مثلاً، على غرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية (المعروفة باسم "نزاهة")[1] أمر يستحق أن توليه دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى اهتماماً.

إن الحوكمة الجيدة ثقافة بقدر ما هي ممارسة، وهي مجموعة من المعتقدات بقدر كونها مجموعة من القواعد. والأزمة الحالية التي تجتاح كرة القدم العالمية تشير إلى أنه يتعين علينا جميعاً، خاصة في مجال الأعمال، الاحتراز بشأن ممارسات الحوكمة الخاصة بنا وبالمؤسسات التي نثق بها. فعندما يسمح لثقافة أية مؤسسة بالخروج عن نطاق السيطرة، لا يمكن ضمان أن تعود الأمور إلى سابق عهدها مرة أخرى.

بدر جعفر هو الرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع في الإمارات العربية المتحدة ومؤسس مبادرة بيرل.

كما هو منشور على موقع الاقتصادي بتاريخ 14 يوليو 2015

[1] http://www.nazaha.gov.sa/en/About/Pages/default.aspx

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

83  +    =  92