نفخ الصافرات والأبواق خلال الحرب على الفساد

أدوات جديدة لمكافحة الفساد المؤسسي

يتفق معظم أعضاء مجتمع الأعمال المحلي على ضرورة القضاء على أعمال الفساد والممارسات غير الأخلاقية أينما وجدت.

ولكن هل نقوم حالياً باستخدام كافة الأدوات المتاحة لدينا من أجل تحقيق ذلك؟

يبدو لي أننا كثيراً ما نسعى وراء استيراد نماذج الحوكمة المؤسسية والممارسات الأخلاقية دون التأكد من توافقها مع التقاليد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المنطقة. نتيجة لذلك، قد نتمكن من استيفاء كافة الإجراءات إلا أننا لا نحقق النتائج المرجوة. من أمثلة ذلك عملية نفخ الصافرة.

وضعت حكومة المملكة المتحدة تعريفاً لنفخ الصافرة وهو "عندما يقوم أحد العاملين بالإبلاغ عن الاشتباه في ارتكاب أحد أعمال الفساد في مكان العمل" ويقوم بـ "الإفصاح لتحقيق الصالح العام". يعتمد ذلك على مدى عزم الأفراد، بصرف النظر عن درجتهم الوظيفية، على الحديث عن السلوكيات غير الأخلاقية التي يتبعها الأخرون. بيد أن ذلك لا ينطبق تماماً على عاداتنا وممارساتنا الاجتماعية.

إن مجتمعنا هو مجتمع يعتمد على العلاقات بين الأفراد، مثله في ذلك مثل العديد من دول المنطقة، ويرجع ذلك إلى أن العلاقات الشخصية تتخلل تعاملاتنا اليومية مع عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا والمجتمع المحيط بنا. وعلى الرغم من أن ذلك يعد من أحد أهم نقاط القوة التي تميز مجتمعنا، إلا أنه يتعين علينا الإقرار بأنه يؤدي إلى عدم وجود العزم على الإبلاغ بصورة سلبية عن الآخرين، الأمر الذي يعد أساس عملية نفخ الصافرة.

ويظهر التاريخ القصير لتنفيذ عملية نفخ الصافرة في المنطقة بصور أخرى. فطبقاً للتقرير الصادر عن شركة المحاماة "دي إل إيه بايبر" في يناير 2014، لا توفر العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط نفس الحماية القانونية لمن يقوم بنفخ الصافرة مثل تلك الموجودة في المناطق الأخرى. في واقع الأمر، أشار مقال ديلويت الذي نشر العام الماضي حول نفخ الصافرة في المنطقة إلى أنه في بعض المواقف السابقة كان الشخص الذي يقوم بنفخ الصافرة هو من يتعرض للعقاب. إن عدم وجود الحماية يؤدي إلى عزوف من لديه مزاعم عن الإبلاغ عنها.

ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكننا مواجهة الفساد أو السلوكيات غير الأخلاقية، بل يشير إلى أننا بحاجة إلى أدوات إضافية مصممة خصيصاً للبيئة الثقافية والاجتماعية التي نحيا ونعمل ونستثمر بها.

ثمة أدلة واضحة على أن التحفيز الإيجابي، بدلاً من التشهير والتعيير، يعد طريقة أكثر فعالية من أجل تغيير السلوك في العالم العربي. وقد لاحظنا هذه الظاهرة في العمل خلال الأعوام الأخيرة في الإمارات العربية المتحدة في مجالات مثل الغذاء الصحي، والسلامة على الطريق، وأهمية النشاط البدني. ومن هذا المنطلق، إنني أومن بوجود مزايا قوية في نظام يمكِّن الأفراد من إلقاء الضوء على النماذج الجيدة من تطبيق الحوكمة المؤسسية والسلوكيات الأخلاقية ومكافحة الفساد من قبل الآخرين في المؤسسة.

فبدلاً من نفخ الصافرة للإنذار بوجود تصرفات غير أخلاقية، سوف يكون ذلك مثل "نفخ البوق" حيث يتم تشجيع الأفراد في المؤسسة أو الشركة على الإبلاغ عن الممارسات الأخلاقية الجيدة لزملائهم من أجل الاحتفاء بمعايير أفضل للممارسات. يمكن للنظامين العمل معاً بصورة متناغمة من أجل تحديد أفضل الممارسات داخل مجتمع الأعمال من ناحية، فيما يتم القضاء على الممارسات التي لا تتماشى مع قيمنا من ناحية أخرى.

وقد تمكنت مبادرة بيرل، وهي المبادرة التي يقودها القطاع الخاص والتي تم إنشاؤها بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للشراكات، من إيجاد وسيلة لتسهيل هذا النوع من التعزيز الإيجابي. فمن خلال مسابقة دراسات الحالة للطلاب التي تقيمها المبادرة، يتم تشجيع طلبة وطالبات الجامعات في مختلف أنحاء دول الخليج على إجراء بحوث وإعداد وتقديم دراسات حالة تلقي الضوء على ممارسات الحوكمة المؤسسية الجيدة التي يتم تطبيقها في شركات كل من الدول التي تعقد بها المسابقة. فإلى جانب تشكيل مجموعة هامة من ممارسات الحوكمة المؤسسية الجيدة القابلة للتطبيق في المنطقة، يهدف هذا البرنامج إلى أن تمثل القيمة الجوهرية للسلوك الأخلاقي جزءاً أساسياً من تعليم الأعمال. بعد أن حقق البرنامج نجاحاً كبيراً في المملكة العربية السعودية عام 2013، تقوم مبادرة بيرل بتنفيذ مسابقة دراسات الحالة للطلاب والتي تضم 12 جامعة في الإمارات العربية المتحدة في 2014.

ومن أجل توضيح الصورة، إن إيجاد مجال للإبلاغ الإيجابي لن يحل محل الحاجة إلى إيجاد آليات نفخ الصافرة التقليدية، حيث إن لها وظيفة أساسية ويجب أن تظل كذلك. ولكن إذا كانت الأدوات التقليدية التي يتم تطبيقها في المجتمعات الأخرى لا تناسب واقعنا الثقافي بصورة كاملة، إذن علينا على الأقل تطويرها بمعايير إضافية.

كما أؤمن بأن تقديم آليات الإبلاغ الإيجابية مثل "نفخ البوق" إلى جانب آليات الحماية التقليدية مثل "نفخ الصافرة" سوف يقدم تقديراً أكبر لدور الموظفين الملتزمين بالسلوك الأخلاقي ويعزز القيم الأخلاقية داخل المؤسسة ويسهم في نمو ثقافة الحوكمة المؤسسية في الإمارات العربية المتحدة والدول الأخرى في المنطقة.

بدر جعفر هو مؤسس مبادرة بيرل والرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع.

المصادر:

https://www.gov.uk/whistleblowing

http://www.zawya.com/story/Whistleblowing_in_the_Middle_East-ZAWYA20140116081652

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4  +    =  5