Accelerating-Next-Generation-Philanthropy-Arabic Badr Jafar

تسريع الجيل القادم من قطاع الأعمال الخيرية

من أبرز التوجهات التي شهدها قطاع الأعمال في العقد الماضي تطور حاضنات ومسرعات الأعمال والمشاريع الناشئة التي نجد المئات منها منتشرة في جميع أنحاء العالم، وفي الإمارات العربية المتحدة وحدها ما لا يقل عن خمس عشرة نسخة. لقد صُمِّمت محركات التطوير هذه لمساعدة رواد الأعمال في تطوير أفكارهم وتمويلها والاستفادة تجارياً منها، وأصبحت مألوفة جداً لدرجة أنه لا يمكن تخيل الاقتصاد الحديث بدونها.

كثيرة هي الفوائد التي يجنيها رواد الأعمال من برامج التسريع والاحتضان، لا سيما أنها تُمكِّنهم من الحصول على الدعم والتوجيه من الخبراء والمستثمرين، وتوفر لهم فرصاً منظمة لتعلّم مهارات العمل القيّمة وتطويرها والاستفادة من بيئة عمل حيوية تحفِّز على التعاون وتستقطب المواهب. وتسعى العديد من هذه البرامج لتمويل الشركات الناشئة الواعدة وتختارها بصورة انتقائية، وتمنحها أيضاً مدخلاً واسعاً إلى مجتمع المستثمرين في المشاريع الناشئة.

لقد برهن هذا النموذج بحق فعاليته، وخير دليل على ذلك هو النجاح الباهر الذي حققته شركات عالمية مثل أوبر وإير بي إن بي ودروب بوكس والعديد من الأعمال الأخرى التي استفادت في مراحلها الأولى من برامج الاحتضان أو التسريع المهيكلة.

وقد شدّت هذه الظاهرة انتباه القطاع العام أيضاً، حيث نرى الحكومات من حول العالم تتجه نحو نطاق واسع من المسرعات المصمّمة لدعم الابتكار وريادة الأعمال في القطاع. ويشير تقرير (تحرك سريعاً لإصلاح الأمور) Move Fast and Fix Things الصادر عن مختبر آر إس أيه (RSA Lab) في يوليو/تموز 2018، إلى وجود ما يزيد عن 75 مختبر تسريع مخصّص لريادة الأعمال في القطاع العام على مستوى العالم، وهي واسعة الانتشار إذ نجدها في مناطق مثل كندا وكينيا والبيرو وفنلندا.

أما على المستوى المحلي، فتبرز "مسرّعات دبي المستقبل" التي تم تطويرها لتكون حلقة وصل بين رواد الأعمال والشركات الناشئة ومؤسسات القطاع العام، بحيث تقدم لهم منصة للتعاون في ابتكار حلول للتحديات الاجتماعية والبيئية على الصعيدين المحلي والدولي، وتشجعهم أيضاً على استخدام مدينة دبي "كمختبر حي" لأفكارهم.

وبالرغم من الانتشار الواسع لهذه الظاهرة، لا يزال هناك قطاع واحد متأخر عن تبني منهجيات احتضان وتسريع الحلول المبتكرة القائمة على التكنولوجيا للمشاكل والتحديات، ألا هو قطاع الأعمال الخيرية.

وليس القصد هنا أن التكنولوجيا غائبة تماماً عن مجال العطاء الخيري، بل هناك منصات من الجدير ذكرها، مثل غلوبال غيفينج (GlobalGiving) وغِف دايركلتي (GiveDirectly)، نجحت في تبني الحلول التكنولوجية لتعزيز مستويات الكفاءة في عملية جمع التبرعات من المجتمعات العامة، ولعلها بذلك تُصوّر لنا المستقبل المنشود لهذا القطاع.

وخلال الوقت الذي قضيته شخصياً في العمل على مبادرات خيرية تكنولوجية، ازداد يقيني بوجود فرصة هائلة لحدوث تغيرات تقنية ثورية واسعة النطاق ستتمكن من تعزيز أسس الثقة في العلاقة ما بين المتبرع والمستفيد والتي تعتبر علاقة بالغة الأهمية، وستقوي أيضاً قطاع المؤسسات غير الربحية وترسخ روافده بصورة كبيرة. وأنا مقتنع بأن تبني نهج يقوم على ريادة الأعمال قد يكون السبيل لتسريع هذه التغيرات الثورية الإيجابية.

هذا هو سبب رغبتي في رؤية منصة لتسريع واحتضان الأعمال في منطقتنا، وأنا مستعد كل الاستعداد للتعاون في إطلاق منصة كهذه تُكرَّس خصيصاً لتلبية احتياجات الأفراد والمؤسسات بأفكار ومشاريع خيرية مبتكرة.

ومن شأن منصة كهذه إبراز الأفكار والمشاريع التي توظف التكنولوجيا لتعظيم آثار الأعمال الخيرية والتعامل مع العناصر الرئيسية الأخرى في مجال العطاء مثل الشفافية والكفاءة، والتي تشجع أيضاً على تكثيف سبل التعاون. وعلاوة على ذلك، ستعمل هذه المنصات على خلق ثقافة حيوية تعزز القدرة على تحمل المخاطر وإدراك أن الفشل بين الحين والآخر قد يكون الدافع نحو الابتكار واكتشاف أفضل الحلول لتحديات المستقبل، حتى في قطاع الأعمال الخيرية.

وفي نهاية المطاف، ستحقق بعض الأفكار مستويات عالية من النجاح ومنها ما سيعجز عن ذلك، ومهما كان مستوى نجاحها، ستعود هذه الأفكار بلا شك بالفائدة العظيمة على القطاع وعلى ملايين الأشخاص المتأثرين به، وستجعل من القطاع غير الربحي في المنطقة خياراً أكثر جاذبية للمهنيين الشباب الذين يتوقون للعمل في بيئة إبداعية سريعة التقدم لها بصمة بالغة الأثر على المجتمعات وعلى العالم بأكمله.

ليس لديّ أدنى شك بأن أعظم الابتكارات التي سنشهدها في مجال العمل الخيري هي هنا، في مكانٍ ما في منطقتنا. ومن الأمثلة التي تمتلك مقومات هائلة للنجاح منصةٌ رقمية ما زالت قيد التطوير، وأنا سعيد جداً بتعاوني مع شركاء عالميين في تطويرها. تسعى هذه المنصة المبتكرة إلى تعزيز مستويات الفعالية والشفافية والمساءلة من أجل تعظيم آثار الصدقات والعطاءات الإسلامية، ويُتَوقع أن تحقق بين 200 مليار دولار وترليون دولار من التبرعات الخيرية في كل عام.

وعلى مدار العامين الماضيين، شَهِدْتُ أيضاً إطلاق مبادرة "مؤسسات أعمال صغيرة ومتوسطة من أجل الإنسانية" (SME4H) التي توفر منصة تكنولوجية تهدف إلى إشراك المشاريع الصغيرة والمتوسطة في جهود تلبية الاحتياجات الإنسانية المتفاقمة على الصعيد العالمي. ونتطلع لإطلاق هذا الابتكار في الأردن في وقت لاحق من هذا العام.

تتدفق في منظومة العمل الإنساني على مستوى العالم رؤوس أموالٍ تُقدّر بمئات مليارات الدولارات من مانحين فرديين ومؤسسات عائلية ومساعدات إنسانية ومبالغ مكرسة للتنمية والتطوير، وإن سعَيْنا إلى تسخير جزءٍ من هذا التمويل لاحتضان أفكار جديدة تساهم في تغيير الأنظمة التي يقوم عليها القطاع ولتوجيه الجيل القادم من المانحين واختبار النماذج الريادية للأعمال الخيرية، نكون قد خلقنا فرصة استثنائية لتعظيم أثر العطاء ومضاعفة النتائج التي تثمر عن هذا القطاع المحوري.

فما الذي ننتظره إذن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  +  73  =  80