حماية الشركات العائلية من أنفسها

يعد الدور المهم الذي تلعبه العائلة من الأمور الراسخة في الإمارات العربية المتحدة، فهي تؤثر في العديد من جوانب مجتمعنا بطرق قد لا نلاحظها في الكثير من الأحيان . لا تقوم جميع الدول بتخصيص أماكن للعائلات في المطاعم والأماكن العامة الأخرى، وكذلك يقوم عدد قليل من الدول بتصميم الطرق والمناطق الحضرية بحيث تسمح بسكن أفراد العائلات الكبيرة بالقرب من بعضهم بعضا . ولكننا ننعم بكلتا الميزتين هنا في دولة الإمارات .

تؤثر العائلات أيضاً في شكل الاقتصاد في دولة الإمارات، حيث تم تأسيس العديد من كبرى الشركات العائلية هنا قبل تأسيس دولة الإمارات عام ،1971 وقد ارتبط نموها بنمو أمتنا . تلعب الشركات العائلية حالياً دوراً مهماً بصورة متزايدة في تنويع الاقتصاد في منطقة الخليج . ووفقاً لتقرير صادر عن برايس وترهاوس كوبرز، تقوم الشركات العائلية بإنتاج ما يزيد على 80% من إجمالي الناتج المحلي من غير قطاع النفط في دول مجلس التعاون الخليجي .
إلا أنه على الرغم من أن تأثير العائلة في ثقافتنا ومجتمعنا كان على درجة كبيرة من الإيجابية، قد يكون لهذه الثقافة مجموعة متنوعة من التأثيرات في الشركات العائلية .

برغم ذلك، أشار التقرير الصادر مؤخراً عن برايس ووترهاوس كوبرز إلى وجود جانبين لثقافتنا قد لا يكونا ملائمين في الكثير من الأحيان لما يعرف عادة بأفضل الممارسات في الحوكمة المؤسسية . الجانب الأول هو التسلسل الهرمي شديد الانحدار في الشركات العائلية نتيجة تبجيلنا واحترامنا المطلق لأفراد العائلة الأكبر سناً والذي يعد إحدى أهم القيم في مجتمعنا . في الحالات القصوى، قد يتم تهميش أصوات الأفراد الأصغر سناً في عملية اتخاذ القرار وبالتالي يتم تجاهل نظرة الشباب المهمة . أما الجانب الثاني فيتمثل في الميل الطبيعي للشركات العائلية تجاه الحفاظ على خصوصية شؤونها بصورة مطلقة، الأمر الذي قد يمتد إلى الخلافات حول الأعمال والتي قد تحتاج في بعض الأحيان إلى المشورة المستقلة أو حتى الوساطة .

يظهر جلياً هنا أن تأثير ثقافتنا في الأعمال العائلية له إيجابياته وسلبياته والتي لا يمكن الحصول على إحداها وتجنب الأخرى . ويكمن الحل هنا في أنه في حالة تداخل الموروث الثقافي مع العمليات المهمة، يجب ضمان قدرة الشركات العائلية على إيجاد حالة ملائمة من التوازن بين الثقافة التي تحدد ملامح الشركة وأفضل الممارسات المؤسسية، الأمر الذي قد يساعد على حماية الشركات العائلية من أنفسها .

في عام ،2012 قامت مبادرة بيرل بعقد شراكة مع برايس ووترهاوس كوبرز من أجل نشر دراسة حول ممارسات الحوكمة المؤسسية في الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي . وقد أشار هذا التقرير إلى أنه على الرغم من أن الشركات العائلية حول العالم تقوم بتبني معايير الحوكمة الجديدة بصورة متزايدة من أجل إدارة القضايا الخاصة بالنزاع والخلافة واتخاذ القرارات، إلا أن تقدم دول الخليج في هذا المجال مازال بطيئاً .

إن وضع إجراءات واضحة للحوكمة يعد من أهم العوامل اللازمة للشركات العائلية . ووفقاً لما ورد في التقرير، غالباً ما تختلف مستويات مشاركة أفراد العائلة في إدارة الشركة ولكن قد تكون لكافة الأفراد وجهات نظر وآراء قوية حول استراتيجية الشركة . من هذا المنطلق، يعد التواصل من أهم عوامل التغلب على هذه القضايا إلا أن الأوضاع العائلية لا تسمح دائماً بإقامة حوار صريح ومفتوح . لذا، توصي الدراسة بتقديم المعلومات بصورة منتظمة لكافة حملة الأسهم ووضع آليات واضحة للحوكمة من أجل المحافظة على الفصل بين المسائل العائلية والمسائل المتعلقة بالأعمال .

وقد جاء في ختام التقرير "أن الحوكمة المؤسسية الأكثر صرامة هي التي ستقود الطريق نحو الالتزام بمعايير إدارة أعلى، وتحقيق فهم أفضل للمخاطر، ووضع آليات فاعلة للرقابة، واتخاذ القرارات بناء على المعلومات من قبل الشركات العائلية" . وقد تمثل هذه المميزات الفارق بين الإخفاق والنجاح بالنسبة للشركات خاصة تلك التي تسعى وراء الدخول إلى الأسواق العالمية أو جذب الاستثمارات الدولية .

وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال اليوم الدولي للأسر العام الماضي: "إن العائلات تحافظ على ترابط المجتمع وتعمل العلاقات بين الأجيال على امتداد هذا الميراث بمرور الزمن" لقد ساعدت الشركات العائلية في المنطقة على الحفاظ على ترابطنا الاقتصادي وسوف يساعد تبني ممارسات حوكمة مؤسسية جيدة على امتداد ميراث هذه العائلات في المستقبل .

كما هو منشور على موقع صحيفة الخليج بتاريخ 5 يونيو 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  +  60  =  61