An Ancient Roadmap for a New Golden Age

نهجٌ عريقٌ نحو عصرٍ ذهبيٍ جديد

منذ أكثر من ألف عام، كانت منطقتنا في طليعةِ طفرةٍ هائلةٍ من اكتشافاتٍ فكريةٍ وعلميةٍ عظيمة، تمخَّضت عن احتضان المنطقة لعُظماءَ من مختلف الثقافات والخبرات والخلفيات. ذاك هو العصر الذهبي الذي أفْعَمَتْه روحٌ فكريةٌ، عصرٌ تميز بعلمائه وأعماله الإغريقية والفارسية والصينية والهندية والفينيقية، فكانت النتيجة ابتكاراتٌ ثوريةٌ في مختلف المجالات، من الفن والثقافة والقانون والفلسفة إلى الرياضيات والعلوم الطبيعية والطب وعلم الفضاء، والتي ما نزال إلى يومنا هذا نستند إلى جزء كبير منها.

وحتى بعد مرور زمن طويل من انحسار هذا العصر الذهبي بعد أن قُضِيَ بشراسة على الانفتاح الفكري الذي كان غذاءه ووقوده، كانت هذه الفترة النيّرة مصدرَ وحيٍ وإلهامٍ محوري للنهضة الأوروبية التي تبنَّت مبادئ التنوع والشمولية ذاتها.

لِمَ أصبحت هذه الاعتبارات الآن أكثر أهمية لنا من أي وقت مضى؟ الجواب هو أننا نقف على مشارف فصلٍ جديدٍ من تاريخ منطقتنا، إذ أعلنت دولة الإمارات في نهاية العام الماضي عن تبنيها محور "نحو الخمسين عاماً المقبل" لعام 2020، مشيرةً إلى أنها ستُتوِّج هذه المبادرة بإطلاق استراتيجية وطنية للخمسين سنة المقبلة، بالإضافة إلى مجموعة من الجهود الأخرى التي ستُكرَّس لتحقيق "قفزات عملاقة" في قطاعات الاقتصاد والتعليم والبنية التحتية والصحة والإعلام.

والأهم من ذلك هو تعهُّد التصريح بأن "يقوم عام 2020 على إشراك كافة فئات مجتمع الإمارات في رسم معالم الحياة في الدولة على مدى العقود الخمس القادمة". صحيح أن هذا الجانب بالذات من الخطة لم ينَلْ الكثير من الاهتمام حتى الآن، إلا أنه قد يكون أقوى مبدأ ينص عليه التصريح، ولا عجب في ذلك إذ أن دولة الإمارات هي موطنٌ لأكثر من 200 جنسية من حول العالم. تشكِّلُ المرأةَ ثلثي قوى العمل الحكومية وخريجي الجامعات في الإمارات، وحوالي ثلث مجلس وزرائنا الاتحادي. لقد أصبَحْنا نَعِي وبسرعةٍ كبيرةٍ مكانة الفنون، ليس باعتبارها عنصراً كمالياً، بل لأهميتها ومحوريتها في تقدم اقتصاد الابتكار. وإن نظرنا إلى مؤسساتنا الحكومية والخاصة، نجد أنها تحرص على توسيع شريحة الشباب في كافة مستوياتها ، وخير مثال على ذلك قرار مجلس الوزراء الذي يتطلب تعيين شاب إماراتي أو شابة إماراتية على الأقل دون سن الثلاثين في مجلس كل من الجهات الحكومية.

لسنا الدولةَ الوحيدةَ المُدْرِكةَ لأهمية التنوع على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي، إذ بيَّنت دراسةٌ عالميةٌ أجْرَتها مؤخراً مجموعة بوسطن الاستشارية لمجموع 1,700 شركة، أن الشركات التي تتسم فِرقُها الإدارية بالتنوع تجني إيرادات أعلى بمعدل 19 بالمئة من غيرها من الشركات بفضل ارتفاع مستوى الابتكار الناتج عن التنوع. وعلى المستوى الاقتصادي الأوسع، تفيد الدراسة بأن سدَّ الفجوة بين الموظفين الذكور والإناث سيضُخُّ في الاقتصاد العالمي بما يقدر بمجموع 28 تريليون دولار بحلول 2025-أي ما يعادل زيادة بنسبة 26 بالمئة.

ولكن في واقع الأمر، يتطلب تحقيق نتائج ملموسة أكثرَ من مجرد وضع سياسات على ورق. لن نَجْنيَ ثمار التنوع إلا بالحرص على دمج وإشراك جميع أفراد مجتمعنا المتنوع ومكافأة إنجازاتهم بالتساوي. لهذا السبب، ما تحتاجه الشركات لتتمكن من تحقيق الاستفادة القصوى من التنوع، هو ترسيخ ثقافةٍ مؤسسيةٍ تُثَمِّن وجهات النظر المختلفة، ليس لأنها مجبورة على الامتثال لمجموعة من المعايير والسقوف المحددة، بل لأنها تُؤْمِنُ بالفعل بأن هذا الاختلاف محوريٌّ لاتخاذ قرارات أكثر حكمة وحصافة.

وعلى نفس القدر من الأهمية تطبيق التنوع بكفاءة وبصورة شمولية وغير محدودة. فعلى سبيل المثال، إن شكّلنا فريقاً يضم موظفين وموظفات مختلفي الجنسيات، ولكنهم من نفس التخصِّصِ المهني والفئةِ العمرية، من غير المرجَّح أن تتنوع آراؤهم واقتراحاتهم. ما يغيب عن الأذهان في كثير من الأحيان هو أهمية إشراك فئة الشباب والاستفادة من مواهبهم، وهذه مشكلة عالمية لا سيما وأنه من المتوقع أن يشكل جيل الألفية 75 بالمئة من قوى العمل العالمية بحلول 2025. في شبابِنا إمكانياتٌ فذّة وفرصةٌ هائلةٌ للنمو والتقدم، ولكنها للأسف مهدرة وبالأخص في المنطقة العربية التي يعتبر أكثر من 60 بالمئة من سكانها دون سن الثلاثين.

إن أردنا أن نستوحيَ من تاريخ نهضة العصر الذهبي وسقوطه درساً، سنوقِنُ أنَّ احتضان تنوع مجتمعات منطقتنا، ليس فقط من حيث الجنس والعرق بل ومن حيث العمر والخلفية وكل الطرق الأخرى التي يعبر فيها المرء عن نظرته للعالم – ليس مجرد تصرفٍ سديد. في الحقيقة، إن التزمنا التزاماً فعلياً بإشراك كل فئة من فئات مجتمعنا، قد يصبح تبنِّينا للتنوع من أحكم القرارات التي نتخذها في توجُّهِنا نحو عام 2071.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9  +  1  =