تطوير البنى التحتية: عنصر رئيسي نحو تحقيق النمو العالمي

David Thodey and Badr Jafar

تواجه دول مجموعة العشرين تحديات وشيكة ومشتركة، تشمل النمو السكاني المتسارع، ونمو حجم التعاملات التجارية الدولية، بالإضافة إلى الحاجة الملحة إلى استبدال البنى التحتية القديمة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تعداد السكان العالمي سيزداد بمعدل الثلث ليصل إلى 9.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، مما يعني ضرورة توفير أعداد أكبر من فرص العمل. وفي الوقت ذاته، من المتوقع أن يزداد عدد العاطلين عن العمل في العالم بنحو 20 مليون شخص ليصل إلى 220 مليون نسمة بحلول عام 2018، وفقاً لمنظمة العمل الدولية.

وللمرة الأولى في تاريخ البشرية يتفوق عدد سكان المدن على المناطق الأخرى، ما يعني أن النمو السكاني المتوقع سيكون أكثر تركّزاً في المدن. ووفقاً لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، سيكون من الضروري تنفيذ نحو ثلاثة أرباع استثمارات البنية التحتية ضمن المدن خلال السنوات الأربعين المقبلة لمواجهة التحديات المنبثقة عن هذا التوجه. وعلى مستوى منطقة الخليج، يساهم تسارع النمو السكاني المتزامن مع ضرورة العمل على تنويع الموارد الاقتصادية كي لا تكون متمحورة بجلّها حول القطاعات النفطية في إيجاد مشاريع لتطوير البنى التحتية بقيمة تصل إلى 1.085 تريليون دولار، وهي المشاريع التي دخلت طور التصميم أو المناقصات أو الإنشاءات، وصولاً إلى عام 2037.

وسيكون للحراك التجاري الدولي دور كبير في زيادة الطلب على الاستثمارات، فمن المتوقع أن تزداد حركة موانئ الحاويات والشحن الجوي بأكثر من ثلاث أضعاف بحلول عام 2030 بالتزامن مع نمو الطلب على خدمات النقل الجوي بمعدل الضعف، وفقاً لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفي هذا السياق، تستثمر إمارة دبي وحدها 7.8 مليار دولار في توسيع مجالها الجوي والطاقة الاستيعابية لمطار دبي الدولي استعداداً لاستقبالها 90 مليون مسافر سنوياً، بحلول عام 2018.

إن هذه التحولات الاستثنائية ستولد الحاجة لاستثمارات بقيمة 60-70 تريليون دولار في البنى التحتية بحلول عام 2030، تتزامن مع فجوة تقدّر بنحو 15-25 تريليون دولار. وسيؤدي الفشل في ردم هذه الفجوة إلى خسارة في الوظائف وتراجعاً في النمو ومستويات الحياة، مما يحتم علينا جميعاً بذل كل جهد ممكن لزيادة مستويات الاستثمار في البنية التحتية. و كشفت لجنة عمل البنية التحتية والاستثمار في مجموعة الأعمال B20 في التحليلات والتقارير الاستشارية التي شاركتها مع المعنيين في أربع قارات،أن العقبة الأكبر التي تواجه زيادة الاستثمارات الخاصة في البنية التحتية هو محدودية المشاريع الجاهزة للاستثمار والمقيّمة بشكل دقيق حتى اليوم.

وبهدف إيجاد حلٍّ عملي لهذه القضية، أوصت لجنة العمل رسمياً بأن تكون الأولوية القصوى لدول مجموعة العشرين هي وضع أهداف استثمارية للبنى التحتية تتألف من قائمة من المشاريع التي يتم تقييمها وفقاً لمعايير صارمة من قبل إحدى الوكالات الوطنية المتخصصة بالبنية التحتية.

وكشفت اللجنة أيضاً عن عقبة أخرى تواجه المشاريع الجاهزة للاستثمار، تتمثل في تفاوت معايير جودة الممارسات المتبعة في تحليل واختيار المشاريع، واستكمال الحصول على الموافقات الرسمية المطلوبة، إضافة إلى تأمين حلول التصميم والإنشاءات. ويتراوح معدل الفترة الزمنية اللازمة للحصول على الموافقات الرسمية للمشاريع في دول مجموعة العشرين بين عامين إلى 10 أعوام. وواقع الحال يؤكد عدم إمكانية هدر كل هذا الوقت؛ ففي فرنسا، على سبيل المثال، لم يتم بناء سوى 330 ألف وحدة سكنية من أصل 500 ألف منزل يحتاجها السوق عام 2013، بسبب العقبات الروتينية التي تقف عائقاً أمام استكمال الأعمال الإنشائية.

ونتيجةً لذلك، أوصت اللجنة بقيام مجموعة دول العشرين بتأسيس مركز عالمي للبنية التحتية يعمل على الترويج للتحسينات المقترحة من خلال مشاركة أفضل الممارسات والمقاربات العملية، بما في ذلك تعزيز الكفاءة على مستوى الحصول على التراخيص من الجهات التنظيمية وتحديد معايير شفافية عمليات المشتريات.

أما العقبة الرئيسية الثالثة فهي في عدم كفاءة أدوات التمويل وأسواق المال؛ فعلى سبيل المثال، فإن صناديق الاستثمار الكبرى المدارة ذاتياً في أستراليا تمثل 550 مليار دولار وهو مبلغ مستمر في النمو، لكن لا يمكن لهذه الصناديق الاستثمار في البنى التحتية غير المدرجة بسبب عدم وجود الأدوات المناسبة. وبالمثل، فإن العديد من دول مجموعة العشرين غير قادرة على الوصول إلى أسواق المال المقوّمة بالعملات المحلية للاستثمار في البنى التحتية بسبب القواعد العالمية التي تزيد من صعوبة استثمار صناديق التقاعد الكبرى وشركات التأمين في مشاريع البنية التحتية الرئيسية.

ومن هذا المنطلق توصي لجنة العمل دول مجموعة العشرين والقطاع الخاص على الترويج لمفاهيم التنويع في آليات الاستثمار في البنية التحتية، وتشجيع العمل على تطوير أسواق استثمارية محلية متخصصة بالبنى التحتية، وتسهيل الاستثمارات المشتركة بين الدول لمجابهة التراجع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ولا شك بأن تطبيق هذه المقترحات سيساهم بدور كبير في تأمين استثمارات إضافية في مشاريع البنية التحتية من/في منطقة الخليج. وتتطلع أعداد متنامية من صناديق الثروة السيادية وصناديق الأسهم الخاصة وغيرها من مؤسسات التمويل في المنطقة نحو فرص استثمارية طويلة الأمد في الخارج. واستثمر جهاز أبوظبي للاستثمار، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، في مرأفين بساوث ويلز بأستراليا خلال عام 2013 من خلال تحالف شركات؛ إضافة إلى شراء شركة "كوينزلاند موتوروايز ليمتد" الأسترالية مقابل 6.6 ميار دولار، مع مجموعة من المستثمرين الذين يركزون على قطاع تطوير البنية التحتية. ومن جهة أخرى، تشهد الاستثمارات الداخلية نمواً أيضاً، حيث قامت شركة الأسهم الخاصة "كارلايل" التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها حصصاً في 6 شركات معظمها في المملكة العربية السعودية وتركيا منذ افتتاح مكتبها في الشرق الأوسط عام 2007.

واستناداً إلى تقديرات لجنة العمل فإن تطبيق هذه التوصيات سيساهم في توفير 100 مليون فرصة عمل وحراك اقتصادي بقيمة 6 تريليون دولار في العالم سنوياً. وسيكون لذلك دور جوهري في تحقيق الهدف الرامي إلى تسجيل نمو إضافي بنسبة 2% والمتفق عليه بين وزراء مالية دول مجموعة العشرين خلال اجتماعهم الذي أقيم في سيدني خلال شهر فبراير الماضي، مما سيثمر بدوره عن تحسين نوعية الحياة وتفعيل دور الناس في عملية التنمية الاقتصادية. كما ستضع هذه الخطوات دول مجموعة العشرين في موقع أفضل نحو إدارة المتغيرات الكبرى التي سترسم ملامح جديدة للعالم خلال السنوات الأربعين المقبلة.

ديفيد ثودي، الرئيس التنفيذي لشركة "تيلسترا" المحدودة؛ وبدر جعفر، الرئيس التنفيذي لـ"الهلال للمشاريع" – كلاهما عضو في لجنة عمل مجموعة B20.

كما هو منشور على موقع جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 7 سبتمبر 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

6  +  2  =