تعهّد قطاع الأعمال: التنمية المستدامة تتطلب التفاؤل والعمل
في عام 1900، كان متوسط العمر المتوقع على مستوى العالم واحداً وثلاثين عاماً. وعلى سبيل المقارنة، من المتوقع أن يحيا الطفل الذي ولد اليوم حتى السبعينات من عمره. وخلال نفس الفترة، ارتفعت معدّلات محو الأمية في العالم من حوالي 12٪ إلى 86٪، وانخفضت النسبة المئوية للأشخاص الذين يعيشون في فقرٍ مدقعٍ من 85٪ إلى أقل من 10٪. وفي الوقت نفسه، قادنا التقدّم التكنولوجي إلى أعتاب الثورة الصناعية الرابعة، مع قدرتنا على تحويل المشاهد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية نحو الأفضل.
ماذا يعني كل هذا؟ يعني أنه إذا قمنا بالتركيز على الاتجاهات الدارجة على المدى الطويل، بدلاً من الأحداث اليومية فقط، فمن الواضح أننا نعيش في عصر البشرية الأكثر ازدهاراً.
إن هذه الطريقة في النظر إلى الأمور ليست تفاؤلاً أعمى. حيث لا يزال عالمنا ومنطقتنا يواجهان العديد من التحديات. ففي أجزاء من الشرق الأوسط، يعيش التطرّف العنيف على ورم بطالة الشباب، ويهدّد استقرار المجتمعات. وفي سوريا، تتفاقم أزمةٌ إنسانيةٌ خطيرة بسبب وجود فراغ في الحوكمة العالمية، مخلفةً آثاراً ستتردّد أصداؤها لأجيالٍ عدة. فضلاً عن ظاهرة تغيّر المناخ، والعواقب المترتّبة على العلاقة بين مصادر المياه والطاقة والأمن الغذائي، التي تلوحُ في الأفق بشكلٍ أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم. وهناك تحديات الحوكمة التي تخص الثورة التقنية، بما في ذلك الجرائم الحاسوبية وزعزعةقطاعات بأكملها، كل تلك هي قضايا بدأنا باستيعابها حديثاً فقط.
ومع ذلك، من الصحيح أيضاً أن قدرتنا الجماعية للتغلّب على التحديات التي نواجهها لم تكن أعظم مما هي عليه اليوم. على سبيل المثال، فإن الجهود الدولية لمواجهة الأمراض المعدية، مثل شلل الأطفال والملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية، والقضاء على أمراض أخرى مثل الجدري، أنقذت حياة الملايين من الأفراد في العقود الأخيرة. كما أن الأهداف الإنمائية للألفية، التي أُطلقت من قبل الأمم المتحدة في عام 2000، حقّقت نجاحاتٍ ملحوظة في مجال التعليم، والحدّ من الجوع، والتعاون الإنمائي. وفي ديسمبر \ كانون الأول الماضي، توصّل قادة العالم إلى اتفاقٍ تاريخيٍ في باريس لمواجهة التهديد الوجودي لتغير المناخ. ومن ثم في يناير \ كانون الثاني من هذا العام، دخلت أهداف التنمية المستدامة (SDGs) الجديدة في العالم لسنة 2030 حيّز التنفيذ، مع إقرارٍ بالإجماع من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والبالغ عددها 193.
ما يميّز أهداف التنمية المستدامة هو فقط كيفية بلورة دور قطاع الأعمال في جدول الأعمال الجديد بوضوح. بدلاً من أن يكون مجرد جزءٍ من الحل أو جهةٍ مانحة لمشاريع طرف ثالث، أصبح القطاع الخاص الآن عنصراً أساسياً من الرؤية الإنسانية من أجل عالمٍ أكثر استدامة. تم تصميم أهداف التنمية المستدامة خصيصاً لتمكين القطاع الخاص من التفكير بشكلٍ عالمي والعمل بنطاق محليٍ، بما في ذلك هنا في دول مجلس التعاون الخليجي. ولذلك، تعتبر الأركان الخمسة لأهداف التنمية المستدامة التي تتضمن الأفراد والكوكب والرخاء والسلام والشراكات، ذات أهمية أساسية للمستقبل، ولمنطقتنا وشعبنا ومؤسساتنا.
لهذا السبب، تم اختيار هذه الأركان الخمسة في أكتوبر \ تشرين الأول كأساسٍ للمنتدى الإقليمي الثاني الذي استضافته مبادرة بيرل، التي تعتبر مبادرة غير ربحية يقودها القطاع الخاص، والتي تعزز الحوكمة الجيّدة للشركات كدعامة للنمو المستدام في منطقة الخليج. والغرض من هذا المنتدى، الذي عُقد بالتعاون مع الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، هو تأطير أهداف التنمية المستدامة، وجعلها عملية وقابلة للتطبيق على حدٍ سواء للشركات في منطقة الخليج، فضلاً عن الاستماع بشكلٍ مباشر لأعضاء مجتمع الأعمال في المنطقة حول أهمية هذه المبادئ بالنسبة إليهم.
وبحضور أكثر من 800 مندوب من مختلف أنحاء المنطقة، تُوِّج المنتدى بإطلاق "تعهُّد قطاع الأعمال"، وهو التزامٌ علنيٌ لحوكمة الشركات والتنمية المستدامة للشركات في منطقة الخليج، والذي يغطي أربعة مجالات محددة من التدخّل:
1. وضع أهداف لتحقيق النمو المستدام والمسؤول، عن طريق وضع أهداف التنمية المستدامة الواضحة والقابلة للقياس، وتقييم التأثير، والتواصل بشفافية.
2. إنشاء بيئة عمل أكثر شمولاً، من خلال تبنّي الممارسات التي تدعم بيئة عمل عادلة ومنصفة ومتنوعة.
3. تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، من خلال تشجيع الممارسات الجيّدة في جميع أنحاء المؤسسات الفردية وسلاسل التوريد الخاصة بها.
4. احتضان التعاون والشراكة، من خلال تشجيع مجتمع الأعمال الأوسع بشكلٍ علني على تعزيز التآزر بين القطاعات، والمساهمة في مبادرات العمل الجماعي.
والمشجّع في الأمر، هو مشاركة أكثر من 160 فرداً من قادة الأعمال من مختلف أنحاء المنطقة في تعهُّد قطاع الأعمال حتى الآن. ومع ذلك، فالمثير حقاً هو كيفية موافقة تلك الأطراف الموقِّعة على تحمل مسؤولية هذا الالتزام. بدلاً من مجرد وضع علامة في المربع والمضي قُدماً، اتّفق المدراء التنفيذيون الذين قاموا بالتوقيع على التعهُّد أيضاً على الاجتماع على أساسٍ سنويٍ مع طلبة الجامعات في المنطقة، والتحدُّث معهم حول ما أنجزوه خلال الإثني عشر شهراً الماضية تجسيداً لهذا الالتزام.
لماذا يجب على المدراء التنفيذيين التحدّث بشكلٍ مباشر مع طلابٍ من المنطقة؟ لأن جيلهم سيكون لديه الكثير من الأمور على المحك فيما يتعلّق بهذه القرارات والإجراءات مما لدينا نحن الآن. لذلك، إما قد يكونون هم المستفيدون حقاً، أو أولئك الذين يتيعيّن عليهم دفع الثمن الباهظ للإجراءات التي نتّخذها اليوم. وأقلّ ما يمكن أن نفعله، نحن قادة الأعمال، هو محاسبة أنفسنا في الوقت الحقيقي لما نقوم به (أو ما نفشل في القيام به) لجعل عالمنا وحقّهم الطبيعي، مكاناً أكثر استدامة، اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً.
كما نشر على موقع الاقتصادي في 26 ديسمبر 2016