رفع كفاءة العمل الخيري باتباع أفضل ممارسات العمل الربحي

غالباً ما يُقال أن على المنظمات غير الربحية التعلّم من خبرات ودروس قطاع الأعمال الربحي وتطبيقها في بيئات عملها. وهذا الأمر مبني على الفرضية العامة القائلة بأن طريقة عمل قطاع الأعمال الربحي في غالبيته أكثر استراتيجيةً وكفاءةً وفعاليةً من طريقة عمل القطاع غير الربحي.

وفي ذلك شيء من الصحة، إذ إن العديد من المنظمات الأكثر نجاحاً في العالم تُدار على العموم –ولكن ليس حصرياً- بقوة الربح. غير أن كل مَن عمِل مع منظمات ربحية وأخرى غير ربحية سيُخبرك بأن أيّاً من القطاعين لا يحتكر امتلاك أفضل الممارسات في العمل.

إذاً، لماذا يسود هذا الاعتقاد؟ وكيف استطاع قطاع المنظمات الربحية أن يؤسس مثل تلك السمعة القوية فيما يخص الكفاءة والفعالية؟ في كثير من الحالات يعود ذلك إلى وجود اختلاف في السلوك لا في الكفاءة، الأمر الذي يتجلى في المبادئ الأربع الآتية على وجه الخصوص:

من الضروري أن تكون الأهداف محدّدة وقابلة للقياس

في معظم الحالات، تكون الأهداف الأساسية للمنظمات الربحية واضحة ومفهومة من قبل إداراتها وموظفيها وعملائها وشركائها على حدّ سواء. قد يكون هنالك خلاف حول استراتيجية العمل وآلياته، إلا أنه نادراً ما يوجد أدنى شك بأهمية عاملَي الربح والاستدامة في عمل المنظمة.

أما أهداف المنظمات غير الربحية فغالباً ما تكون أكثر عرضة للتأويل والتفسير. فقد يتّفق الشركاء على ضرورة أن تكون تلك المنظمات مؤثّرة وفاعلة، غير أنهم يختلفون حول تعريف ذلك التأثير المنشود وتحديد حجمه. ومن الضروري أن تعمل المنظمات غير الربحية على مواجهة هذه المسألة ومعالجتها من خلال تحديد أهدافها بشكل واضح ووضع معايير محدّدة لقياس مدى التقدم على طريق تحقيق تلك الأهداف.

لا يمكنك إرضاء الجميع

من المُتّفق عليه عموماً أنّ رؤساء المنظمات الربحية ومدراءها التنفيذيين يتحملون مسؤوليةً ائتمانيةً تضطرهم لاتخاذ قرارات صعبة لكنها مصيرية لصالح منظماتهم على المدى البعيد. وعلى الرغم من أن قادة الأعمال الذين يُبدون استعداداً لاتخاذ مثل تلك القرارات الصارمة قد لا يحظون في الغالب بمحبة موظفيهم، غير أنهم يلقَون احترامهم.

لم يكن هذا السلوك سائداً في قطاع الأعمال غير الربحي حتى الآن، إذ إنه في غياب الأزمات الطارئة غالباً ما كان يجري تأجيل اتخاذ القرارات الصعبة؛ ولذلك فإن مقارنة القطاعين في الوقت الراهن لا تكفي لتكوين تصوّر سليم. وعلى قادة المنظمات غير الربحية أن يكونوا مخوَّلين ومستعدين لاتّخاذ قرارات حاسمة في الوقت المناسب وأنّما اقتضى الأمر لضمان استدامة منظماتهم وتعزيز تأثيرها على المدى البعيد، حتى لو لم تلقَ تلك القرارات رضا الجميع.

بإمكان التعاون والتنافس أن يتواجدا معاً

هنالك دروس أخرى على المنظمات غير الربحية أن تتعلمها من المنظمات الربحية التي تتعاون باستمرار فيما بينها، سواء داخل مجال العمل الواحد أو عبر المجالات المتعددة. ففي كثير من القطاعات نجد الشركات الكبرى المتنافسة تلجأ أحياناً إلى العمل معاً لإنجاز مشاريع كبيرة ومعقّدة تتطلب تركيبة فريدة من الإمكانات والخبرات الفنية.

على المنظمات غير الربحية أن تكون أكثر انفتاحاً على العمل مع المنظمات الأخرى وأكثر شفافية في الإعلان عن ذلك التعاون. ولعلّ إقامة الشراكات ومشاركة الخبرات مع الآخرين من شأنه أن يعزّز حجم وقوة تأثير القطاع بأكمله وأن يساعد تلك المنظمات على تفادي تكرار أخطاء أندادها من المنظمات الأخرى.

تخفيض الإنفاق يجب ألّا يكون استراتيجية معتمدة

 

لا نجد عدداً كبيراً من الشركات الربحية يُباهي أمام وسائل الإعلام وأمام شركائه بأنه يقتصد في إنفاق المال على شؤون الإدارة والتسويق والبحث والتطوير. إن ما تركز عليه تلك الشركات هو الطريقة الذكية التي تستثمر فيها تلك الأموال المرصودة لتلك الشؤون وحجم الإيرادات المتوقع تحقيقها من ذلك الاستثمار.

بالمقابل تخضع المنظمات غير الربحية للأسف لمعايير مختلفة تماماً. ولهذا لا نجدها تتحدث عن حجم استثماراتها في المواهب والتكنولوجيا، بل إنها تخشى بطريقة مبالغ فيها من الظهور بمظهر المُسرف في الإنفاق على التكاليف العامة والموظفين والتسويق.

 

قد يكون هذا الموقف مفهوماً من الناحية العاطفية لمنظمة تعمل في مجال الأعمال الخيرية، غير أنه لا يساعد على إحداث تأثير طويل الأمد وترك بصمة خاصة بها. وعلى الرغم من أهمية الانتباه إلى التكاليف، فإن على المنظمات غير الربحية أن تكون أقل شعوراً بالإحراج وبضرورة إيجاد المبررات إذا ما وظّفت المال في استثمارات حساسة من شأنها أن ترفع مقدراتها الذاتية الكامنة وتعزّز تأثيرها المحتمل على أرض الواقع.

الخلاصة

وبالمحصلة، لا تمتلك المؤسسات الربحية أيّة سمات فريدة تجعلها قادرة، دون سواها، على اعتماد مبدأ المساءلة والحساب. بل إنّها تقوم بذلك لأنه أمر مطلوب منها. ولعلّ القاسم المشترك بين كل المنظمات، سواء أكانت ربحية أم غير ربحية، هو حاجتها الأساسية لتحديد أهدافها، وتحديد الطريقة المثلى لتحقيق تلك الأهداف والمعايير التي ستعتمدها لقياس مدى اقترابها من الوصول إلى أهدافها المنشودة.

كما نشر في الاقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

47  +    =  52